**المدينة المنورة الأولى مسرحيا **

**المدينة المنورة الأولى مسرحيا **
مالم يعرفه الكثير من المسرحيين في العالم، أنّ المدينة المنورة هي أول مدينة في الجزيرة العربية عرفت المسرح، وعرضت مسرحيات متكاملة العناصر الفنية قبل مايزيد عن مائة عام تقريبا، حيث توصل د. سيد علي إسماعيل إلى حقائق في اكتشافات المسرح الخليجي، وأثبت أن أول بدايات المسرح في الجزيرة العربية كان في المدينة المنورة لعوامل ثقافية توفرت في تلك الفترة، وسعى جاهدا إلى إثبات أن المدينة المنورة شهدت أول مسرح جماهيري في الجزيرة العربية عام 1910، وقال أن المدينة المنورة سبقت الخليج إلى خشبة المسرح
ففي ربيع عام 1910، وبين جدران المدرسة الصناعية في المدينة المنورة، انطفأت الأضواء وبدأ الحاضرون يهمسون في مقاعدهم الخشبية، استعدادًا لمشاهدة عرض لم يعرفوا له مثيلًا. كان العنوان لافتًا: “فتاة الدستور”، تأليف نجيب كنعان، ورجال المسرح الهواة — من طلاب المدرسة ومعلميها — يتهيأون لتجربة جريئة في زمن لم يكن المسرح فيه مألوفًا في الجزيرة العربية.
وما يميز تلك الليلة، وما يجعلها محطّ جدل بعد أكثر من قرن، ليس فقط جرأة الفكرة، بل كونها — بحسب الباحث د. سيد علي إسماعيل — أول عرض مسرحي جماهيري موثق في الجزيرة العربية، يسبق عروض البحرين والكويت بعشرة أعوام أو أكثر، والأدلة على ماذهب إليه د. سيد علي مايلي:
الدليل الأول: شاهد من القاهرة
الرحلة تبدأ في أرشيف جريدة “المؤيد” المصرية. بين صفحاتها الصفراء، يعثر إسماعيل على خبر قصير لكنه ثري: “أقيم في المدرسة الصناعية بالمدينة المنورة تمثيل رواية “فتاة الدستور”، ودُعيت الجماهير لحضورها بتذاكر مدفوعة…” وبهذه الجملة الصغيرة، انتقل تاريخ المسرح السعودي من خانة التخمين إلى خانة الوثيقة. فالعرض كان مدرسيًا، لكن جماهيريًا، وبيع التذاكر يعني أنه لم يكن نشاطًا داخليًا محدودًا، بل حدثًا ثقافيًا علنيًا.
أما الدليل الثاني: فهو الدراسة التي أعادت رسم الخريطة ففي يناير 2015، نشر إسماعيل دراسته “التمثيل في المدينة المنورة لأول مرة عام 1910” في مجلة “كواليس” الإماراتية. وفيها، لم يكتف بعرض الخبر، بل وضعه في سياق أوسع:، أشار إلى أن المدينة المنورة في تلك الفترة كانت محطة ثقافية مزدهرة بفعل وجود المعلمين الشوام والمصريين، وربط بين هذا العرض وما شهده الحجاز لاحقًا من نشاطات تمثيلية في الجمعيات والكشافة.
ويأتي الدليل الثالث من خلال سلسلة مؤشرات لاحقة، فالدراسة لم تتوقف عند سنة 1910، بل تبعت الخيوط عبر العقود: 1927: خبر في مجلة “الفكاهة” المصرية عن نية حكومة ابن سعود إنشاء “تياترو” في الرياض، وفي 1932: تأسيس جمعية الشبان الحجازيين، وفيها فرقة للأدب والتمثيل، وفي 1935: أقيم عرض مسرحي في فلسطين قدمته فرقة الكشافة السعودية عن بيع الأراضي، وفي 1944: عرضت مسرحيات “الشهيدة” و”اليتيم” بدعم القنصل السعودي في فلسطين، وفي 1956: المسرح العسكري يزور الحجاز بعروض تمثيلية، وفي 1959: خبر في جريدة “القاهرة” عن “أول ممثلة سعودية”.
كل هذه الإشارات تبني خطًا زمنيًا متصلًا، يبدأ من تلك الليلة في 1910.
لماذا المدينة المنورة أولًا؟
ربما لأن الحجاز في تلك الفترة كان أكثر انفتاحًا على العالم الإسلامي عبر الحج والتجارة والتعليم. وربما لأن وصول المدرسين العرب، المحملين بأفكار النهضة والمسرح، وجد بيئة قابلة للاستماع والتجربة.
لكن الأكيد أن ما عثر عليه د. إسماعيل، مهما كان صغيرًا في حجمه، ضخم في أثره: فقد حرك المياه الراكدة، وجعل المؤرخين يعيدون التفكير في سؤال بسيط لكن عميق: من أين بدأ المسرح في جزيرتنا؟
واليوم، يقف الباحثون أمام هذه القصة بين مؤيد ومتحفظ، لكن الجميع يتفق أن خبر “المؤيد” سنة 1910 فتح نافذة على زمن كنا نظنه صامتًا مسرحيًا. وربما لا تزال في الأرشيفات صفحات أخرى تنتظر من ينفض عنها الغبار، لتضيف مشاهد جديدة إلى المسرحية الكبرى التي اسمها تاريخ المسرح في الجزيرة العربية.
واليوم حيث تمتزج قدسية المكان بعراقة التاريخ ودفء الإنسان، يتجدد المسرح بالمدينة كنبض ثقافي جديد يواكب رؤية المملكة 2030، ليكون نافذة تطل منها العيون على الماضي وتستشرف آفاق المستقبل.، فلم يعد المسرح في المدينة مجرد منصة للعرض، بل أصبح فضاءً حيويًا للحوار بين الأجيال، وحلقة وصل بين الحكاية التي تسكن وجدان الأرض والابتكار الذي يضيء طريق الغد. في ظل الرؤية الطموحة، تتفتح أبواب الإبداع لتحتضن فنون الأداء، وتعيد صياغة المشهد الثقافي بما يليق بمكانة المدينة كعاصمة روحية وثقافية للعالم الإسلامي. وتتنفس الخشبة عبق السيرة وتزينها لغة الفن التي تخاطب العالم بلغاته المختلفة، ليجد الزائر من أقصى الشرق أو الغرب نفسه في رحلة روحية وفنية لا تنسى. وهنا، لا يكتفي المسرح بسرد الحكايات، بل يبعثها من جديد عبر دمج المؤثرات الحديثة بتقنيات الواقع الافتراضي والهولوجرام، ليعيش الحاضر والماضي في مشهد واحد، فتتحول القصة إلى تجربة، والتجربة إلى ذكرى. ومع كل عرض، ينهض المسرح ليؤكد أن الثقافة ليست ترفًا، بل هي ركيزة في بناء مجتمع نابض بالحياة، وأن الفن حين ينبع من روح المكان يصبح لغة عالمية يفهمها الجميع. في المدينة المنورة، يصبح المسرح رسالة حضارية راقية، تحفظ قدسية المكان وتحتفي بجمال الإنسان، وتمضي جنبًا إلى جنب مع رؤية وطن يتقدم بثبات نحو مستقبل يليق بتاريخه العريق وأحلامه الكبيرة.
وخلف ذلك التميز، يقف أمير منطقة المدينة المنورة، الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز ، مهتمًا بتطوير الحركة المسرحية وداعمًا لكل ما يعزز حضور الفن والثقافة في المنطقة، فشكرا جزيلا على بذله وعطائه في تنمية الحركة المسرحية بالمدينة المنورة
د.عبدالرحمن الوعلان
أبدعت دكتور عبد الرحمن
ودمت رائد للمسرح 🌹