المحنة منحة للعاقل

د. أميرة محمد
إن المحنة والمنحة، كلمتان تتشابها كثيرا؛ فهما مكونتين من نفس الأحرف، لكن لا يفرقهما عن بعضهما البعض سوى ترتيب بعض الاحرف المكونة لتركيب كل كلمة منهما، ورغم هذا التشابه الكبير إلا أن كلن منهما له معنى مختلف تماما عن الأخر، وبالرغم من ذلك فإنه من الممكن أن تجتمعا هاتين الكلمتين مع بعضهما البعض في شخص واحد، لكن القليلون فقط هم من يفهمون الحكمة من ذلك.
ففيما يتعلق بالمحنة، فإن المحنة في معناها المبسط اليسير العام، الذي ينطبق ويتماشى مع واقعنا الحياتي اليومي، هي تلك الازمة أو المشكلة التي قد يمر بها شخص ما، ويكون حينإذن في أشد الحاجه للمساندة؛ كي يمكنه التغلب عليها وتخطيها بآمان، وبالرغم من أن المحنة من الناحية الواقعية شيء مكروه لدى غالبية الناس؛ وذلك لما له من الاثار السلبية ، لكن لو توقف الشخص للحظة قصيرة ونظر للمحنة بنظرة عقلية بسيطة، لادرك الشخص الجانب الإيجابي للمحنة ، فالفوائد التي قد تعود على من مر بتلك المحنةلا تقل عن المكاسب التي قد يجنيها الشخص من تجارة مربحه، لكن الحق يقال ليس كل الأشخاص لديهم قوى تساعدهم ويستطيعوا من خلالها التعامل مع المحن، لكن من الواجب علينا تدريب انفسنا على كيفية التعامل الصحيح مع المحن، كي نتجنب ويلات كثيرة، ولا ابالغ إن قلت أن المحن تصنع الأشخاص وتبني الأمم.
وليس معنى كلامي أن من قد يتعرضون لمحن، يظلون قابعين في أماكنهم متقاعسين عن إيجاد حلول صائبة لجل المحن، بل أن حل المحن أمر واجب ولا يجب أن نتهاون فيه، لكن هناك عدة أسئلة تتبادر إلى الذهن ولابد من إيجاد أجوبة مناسبة لتلك الأسئلة لضمان تحقيق اقصى استفادة من المحن التي قد نتعرض لها ونقابلها في حياتنا، وهذه الأسئلة هي:
متى تكون المحنة منحة؟، من هم الأشخاص الذين يمكننا الرجوع إليهم لمعرفة الطريقة المناسبة للتعامل مع المحن؟، هل الصبر على المحنة منحة مطلقة؟ متى تكون المحنة بلاء حقيقي والتخلص منه أمر واجب؟
ففيما يخص إجابة السؤال الأول، فإن المحنة تكون منحة، عندما تحدث في الشخص تغير جذري إيجابي واضح وقوي، ومثال على ذلك، عند تعرض شخص غافل لمرض مزمن جدا، ربما لم يكن له علاج، لكن بحول وقدرة الله سبحانه وتعالى تم شفاءه، فلو خرج الشخص من هذه المنحة وقام بالقرب اكثر من الله بل وتقديم العون والمساعدة للمحتاجين، فهنا تكون المحنة منحة؛ إذ ولد منها شخص جديد.
وفيما يخص الإجابة عن السؤال الثاني، فلا يوجد اشخاص محددين بعينهم يمكننا الرجوع لهم والاخذ بآرائهم كي نستطيع الخروج من المحن، لكن هناك صفات يمكن الرجوع لاصحابها للخروج من المحن ، ومن هذه الصفات، حسن الاستماع، فلا تطلب مساعدة ممن لا يستطيع سماع شكواك ولا تطلب مساندة ممن لا يفهم قولك فهماً سليماً.
وبخصوص إجابة السؤال الثالث، فهي لا ليس الصبر على المحنة منحة مطلقة، والدليل على ذلك هو أن كل الأنبياء (عليهم السلام) كانوا يبحثون عن الحلول للمحن العصيبة التي تعرضوا لها اثناء تبليغ رسالاتهم، بداية من سيدنا آدم (عليه السلام) ونهاية بسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهذا هو النهج الذي سار عليه التابعين، والذي بتنا في امس الحاجه له اليوم.
واخيراً فإن المحنة تكون بلاء حقيقي يجب التخلص منه، إذا كانت تدعوا لنشر الفتنة والمساس بالأديان، فهنا يكون التخلص منها أمر حتمي وضروري.
فاللهم اخرجنا ونجنا من محن باتت وللأسف تحاك بمحض إرادة من هم في الظاهر محبينا وفي الخفاء قاتلينا.
m.amira150m@gmail.com