كُتاب الرأي

المتخصص أبخص

باسم سلامه القليطي

المتخصص أبخص 

يُعرِّف البعض عن نفسه في النبذة التعريفية لبرامج التواصل الاجتماعي، بصفات وتخصصات، لو عُمّر مائة عام، لما استطاع تعلم أساسياتها، علاوة على إتقانها والانتساب لها، فتجده يكتب: الطبيب الملاكم الشاعر الإعلامي مدرب التنمية البشرية صانع المحتوى رائد الأعمال، إلى آخر هذه المواهب والتخصصات، التي لو وُزعت على 10 أشخاص لما أحسنوها، فكيف بإنسان محدود الجهد والوقت والعافية، إلا إن كانت هذه قائمة أمنياته وهو طفل، كتبها في حصة التعبير، فوبخه عليها معلم اللغة العربية، لتناقضها واستحالة الجمع بينها، فصار يكتبها في كل مكان، من باب الانكار والعناد، وما أكثر العنيدين في أيامنا.
في الماضي تجد (الخوارزمي) عالما في الرياضيات والفلك والجغرافيا، وتجد (البيروني) فيلسوفا فلكيا صيدلانيا جيولوجيا مؤرخا مترجما رحالة، و(ابن الهيثم) تجده قدم اسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات وطب العيون والفيزياء وعلم الفلك والهندسة، ولو بحثت وتأملت، لوجدت عشرات الأمثلة المشابهة، لعلماء أتقنوا مجموعة من التخصصات المختلفة، وإن كان وجود هؤلاء النوابغ النوادر دليلا على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، وعلى قدرات الإنسان الهائلة، إلا أنهم حالة خاصة لا يُقاس عليها، والسبب الآخر وهو الأهم، أن العلوم في بداياتها كانت محدودة ومترابطة، لم تكن كما هي اليوم، من حيث التفاصيل الكثيرة، والفروع الدقيقة، وكمية الأبحاث والدراسات، والمراجع والدوريات.
المتخصص مريح في التعامل، لأنه يعرف عن ماذا يتحدث بعلم وخبرة، وإن كان  التخصص في علم ما يكون على درجات متفاوتة، إلا أنه في المجمل ميزة يتمتع صاحبها بالمصداقية، وبثقة الآخرين به، يقول (براين تريسي) في كتابه (خطة الرحلة): في دراسة استمرت أكثر من 50 عاما في موضوع التفوق، حدد الخبراء أن أي شخص يحتاج إلى حوالي سبع سنوات أو عشرة آلاف ساعة من الجهد الشاق المركّز لكي يصل إلى الـ 10% المتميزين في أي مجال.
ما أريد قوله ختاما، جميل على المستوى الاجتماعي، ومهم على المستوى العملي والمهني، أن يكون الإنسان متخصصا في فن من فنون الحياة، ومتقنا لمهارة من المهارات النافعة، وخبيرا بإحدى الهوايات المفيدة، مع وجود مجموعة من الأشخاص حوله تتبنى ذات الفكرة، فيكونوا بارعين في أعمالهم ومهنهم، ثم إنهم إذا ما احتاجوا أمرا، وجدوا بينهم المتخصص، الذي يختصر عليهم الكثير من الجهد والوقت والمال، في سبيل الحصول على معلومة هامة، أو خدمة بسيطة، لا تكلف متخصصا بارعا شيئا، لكنها عند من يحتاجها تعني الكثير.
وما أجمل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يوجه المسلمين إلى المتخصصين في كل علم حسب حاجتهم: “من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ ابن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله قد جعلني له خازنا وقاسما”. رضي الله عنهم أجمعين.

كاتب رأي

باسم القليطي

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى