كُتاب الرأي

المتاحف الخاصة.. شغف الأفراد وإسناد الدولة يحفظان الذاكرة الوطنية


المتاحف الخاصة.. شغف الأفراد وإسناد الدولة يحفظان الذاكرة الوطنية

في ظل ما توليه المملكة العربية السعودية من اهتمام متزايد بالتراث الثقافي والتاريخي، تبرز هيئة المتاحف بدور ريادي في دعم وتشجيع أصحاب المتاحف الخاصة الذين نذروا أنفسهم للحفاظ على الذاكرة الوطنية، وقدموا نموذجاً فريداً للتكامل بين العمل المؤسسي الحكومي والمبادرات الفردية الشغوفة بالتاريخ والتراث. لقد أدركت الهيئة الأهمية القصوى للمتاحف الخاصة، وحرصت على احتضانها وتنميتها، فوفّرت التدريب، وقدّمت المشورة، وسعت إلى تمكين أصحابها بكل الوسائل الممكنة، حتى أضحت تلك المتاحف جزءاً أصيلاً من المشهد الثقافي والسياحي في المملكة، وأحد الشواهد الحية على التزام المجتمع بأصالته وتاريخه.
إن ما يقدمه أصحاب المتاحف الخاصة يتجاوز حدود الهواية إلى رسالة وطنية ذات أبعاد ثقافية وسياحية، فهؤلاء الأفراد يبذلون جهوداً تفوق التوقعات، تبدأ من جمع واقتناء المقتنيات الأثرية النادرة والثمينة، التي يدفع بعضهم لأجلها مبالغ طائلة، وصولاً إلى تفريغ جزء من منازلهم، بل وفي أحيان كثيرة تخصيص منزل كامل ليكون مقراً لتلك الكنوز؛ وتستمر الرحلة اليومية في تنظيفها وترتيبها وتصنيفها وتنسيقها، مع تخصيص وقت من اليوم لاستقبال الزوار والسياح والمهتمين، والقيام بواجب الضيافة والإكرام، بما يعكس أصالة الشخصية السعودية وكرمها؛ بعضهم لا يملك مقراً، فاستأجره على نفقته الخاصة، ويتحمل أعباء الكهرباء والصيانة والنظافة، دون انتظار مقابل أو دعم مادي مباشر، فقط حباً في الموروث وحرصاً على ألا يندثر أو يضيع.
ومع كل تلك الجهود الفردية المضيئة، فإن الدعوة تتجدد اليوم لأن تُترجم تلك الشراكة إلى دعم مستدام ومُنظم، عبر تقديم مكافأة سنوية مقننة لهؤلاء المخلصين، تُمنح وفق تصنيف تضعه هيئة المتاحف، يعينهم على الاستمرار في تقديم رسالتهم، ويشجع الآخرين على خوض ذات التجربة؛ كما أن من الأهمية بمكان أن يتم توظيف شباب من المتخصصين في السياحة للعمل في تلك المتاحف، بما يسهم في تطوير المحتوى وتجربة الزائر، وتعزيز الجاذبية السياحية، مع التوصية بإسناد مهام الأمن الصناعي لشركات متخصصة، تضمن حماية هذه الكنوز من أي طارئ، وكذلك إدراج تلك المتاحف ضمن عقود النظافة والتشغيل، لتكون جاهزة دائماً لاستقبال الزوار في أي وقت.
إن المتاحف الخاصة ليست مجرد أماكن لعرض القطع القديمة، بل هي جسور تصل الماضي بالحاضر، ومنصات تعزز الهوية الوطنية، وتثري التجربة السياحية والثقافية، وتسهم في تحقيق رؤية المملكة 2030، التي جعلت من الثقافة والتراث ركيزة أساسية من ركائز التنمية؛ وبين سعي هيئة المتاحف إلى التنظيم والتمكين، وتفاني الأفراد في العطاء والحفاظ، تُرسم لوحة من الانتماء الحقيقي، والإصرار على أن يبقى تراث هذا الوطن حيّاً نابضاً في الذاكرة والمكان.
 

مبارك بن عوض الدوسري

@mawdd3

مبارك عوض الدوسري

كاتب رأي وإعلامي

تعليق واحد

  1. تحية تقدير واحترام لك، أيها الكاتب المبدع. قلمك ينير العقول، وأفكارك تبني الوعي. استمر في هذا العطاء، فالكلمة الهادفة تبقى أثرها خالدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى