✍️أضاقت الأزقة والرواشين، أم اتّسعت أعيننا؟!”

✍️أضاقت الأزقة والرواشين،
أم اتّسعت أعيننا؟!”
بقلم/ د. عبدالإله محمد جدع
✔️كلما عدت لحارتي القديمة في جدة التاريخية، تملكني شعور غريب:
كيف لأماكن كانت عوالمنا أن تصبح فجأة ضيقة، مختزلة، كأنها تراجعت أمام أعيننا؟
هل كبرت أعيننا؟ أم صغرت الحكايات؟
تساءلتُ كثيراً عن السبب الذي يجعل أزقّتنا، تلك التي وُلدنا فيها، نلعب في جنباتها ونرسم على جدرانها، تبدو الآن ضيّقةً، صغيرةً، كأنها تراجعت أمام أعيننا!
أهي خدعة الذاكرة؟ أم سطوة الطفولة، حين كانت الأشياء من حولنا أكبر من أن تُحتوى؟
أم أنّ في العمر، حين نكبر، تتقلّص الأشياء التي كنّا نظنّها عظيمة؟
كنتُ أظنّ أن كلّ زاويةٍ فيها تصلح لحكاية، وأنّ الزقاق يمتدّ كأنّه شارع من شوارع الحكايات القديمة:
بيوتٌ متراصّة، أبوابٌ مزخرفة، رواشينُ مشرئبّة تُطلّ كأنها تتبادل همسَ الجدران.
✔️في علم النفس، تُقال عبارة لافتة:
الذاكرة الإدراكية تحتفظ بصور الطفولة بأحجامٍ مضخّمة،
لأنّ الطفل يرى العالم بعينٍ صغيرة، وجسدٍ صغير، وخيالٍ واسع.
كلّ زاويةٍ كانت مسرحاً للدهشة، وكلّ خطوةٍ امتداداً لمغامرة.
لكن مع النضج، تتغيّر الزوايا، وتضيق المسافات.ليس لأنّ المكان تغيّر، بل لأنّنا تغيّرنا.
لكنّ الحقيقة أعمقُ من مجرّد وهمٍ بصريّ أو استدعاءٍ حسّيّ.
هذه الأزقّة لم تُبنَ لنتباهى بها في الصور، أو لتمرّ منها المركبات،
بل صُمّمت بعناية العارفين، الذين فهموا معنى الظلّ، وأدركوا قيمة القرب، وحاجة الجار إلى جاره
أزقة جدة لم تُبنَ لتمرّ منها السيارات أو تُلتقط فيها الصور،بل لتُظلل أهلها، وتقرّب بينهم، وتُبقي للجار على جاره دفئًا ومسافة لابتسامة.
ربما لم تصغر الأزقة…
بل كبرنا نحن، وكبرت خرائطنا، وازدادت مسافاتنا.
.
📌وفي تقديري؛ ،
تظل أزقّتنا القديمة، وإن ضاقت، أوسع من كثير من طرق اليوم…
لأنها احتضنت ذكرياتنا، وضحكاتنا، وأصدق أصدقائنا.
عبدالإله،، 🌻