الكرم والتكريم

من هنا وهناك
الكرم والتكريم
عبدالله بن سالم المالكي
الكرم ليس مجرّد سلوكٍ عابر، ولا عادةً تورّثها الأجيال دون وعي، بل هو حالة من النقاء الإنساني، تفيض من الروح قبل اليد، وتنبع من الإحساس العميق بقيمة العطاء. إنّه نُبل في المعاملة، وسخاء في المشاعر، وميلٌ فطريّ إلى مشاركة الآخرين بهجة الحياة دون انتظار مقابل.
منذ القدم، كان الكرم سِمة العربي الأصيل، به تُقاس المروءة، وبه تُعرف الأقدار ، وفي مجالس البادية، كان يُقال: “من جاد بماله جاد بمروءته”، لأن الكرم في جوهره ليس مالًا يُنفق، بل روحًا تُمنح.
إنّه ذلك الضوء الذي يبدّد ظلمة الشحّ، وتلك اليد التي تزرع الفرح في وجوه العابرين.
وما أجمل أن يكون الإنسان كريمًا في وقته، وفي خلقه، وفي عفوه، وفي كلماته… فبعض الكرم لا يُقاس بالنقود، بل يُقاس بصفاء القلب.
أما التكريم، فهو الوجه المشرق الآخر للكرم، لكنه يسير في الاتجاه المعاكس؛ إذ لا يعطي فيه الإنسان بيده، بل بقلبه وأخلافه.
التكريم هو لغة الوفاء، ومرآة التقدير، واحتفاءٌ بمن منحوا للحياة معنى أوسع وللعمل صدقًا وجمالًا، حين نكرّم إنسانًا مخلصًا أو مبدعًا، فإننا في الحقيقة نكرّم القيم التي يمثلها، ونرسّخ الإيمان بأن العطاء لا يضيع ما دام هناك من يقدّره.
الكرم يصنع العلاقات، والتكريم يصونها. وبينهما تنمو المجتمعات في مناخ من المحبة والاحترام.
فالأمم التي تعرف كيف تُعطي، وتعرف كيف تشكر، هي الأمم التي تحيا طويلاً في ذاكرة التاريخ.
وحين يجتمع الكرم والتكريم في إنسانٍ واحد، فذاك هو الإنسان الذي يُغني الحياة بمعناه، قبل أن يُغنيها بماله.
الأسبوع الفائت تم تكريم مجموعة من الضباط المتقاعدين من أحد أعيان المجتمع المكي تقديراً لما قدموه خلال فترة عملهم من جهود وطنية نالت استحسان الجميع وكان حفلاً خفيفاً لطيفاً ظريفاً بعيداً عن التكلفة والمزايدات ومتوافقاً مع ما تتطلبه اللحمة الوطنية .
أيضاً أقيم في نفس الأسبوع حفلاً بهيجاً تكريماً لأحد عمالقة الشعر في وطننا الحبيب تخللته الكثير من الفقرات الإبداعية التي تحث على التكافل الاجتماعي وتعزز اللحمة الوطنية .
لذلك ليس الهدف من إقامة حفلات التكريم توزيع الدروع التذكارية والهدايا العينية على المكرمين بقدر ما يهدف اليه التكريم من رفع الروح المعنوية وتحفيز بقية شرائح المجتمع على تقديم كل ما لديهم خدمةً لهذا الوطن المعطاء .
إنّ القيم العظيمة لا تحتاج إلى من يُعلّمها، بل إلى من يُجسّدها. وهكذا يظلّ الكرم والتكريم معًا، جناحين يرفعان الإنسان إلى مقامٍ من الجمال الإنساني، لا تبلغه إلا الأرواح الكبيرة.
كاتب رأي ومستشار أمني



