كُتاب الرأي

الكراسي بريق ومآس

الكراسي بريق ومآس

مشعل الحارثي

الكراسي في حياتنا هل أصبحت هدفا أساسيا ومطلبا اجتماعيا لها مكاسبها وفوائدها وسحرها وبريقها وجاذبيتها، أم أنها وكما تنبىء به عين الواقع و الحقيقة مجرد آلة جامدة وجزء من اثاث المنزل او المكتب والعمل لتستلقي عليها الأجساد و نحركها كما نشاء من مكان إلى آخر ، أم ترى هي التي تحركنا كما تشاء ؟!وتجعلنا أسرى لها مدى العمر !! فماهي حقيقتها إذا ؟ وماذا لو رحلنا سويا في رحلة قصيرة لنسبر اغوار عالم هذه الكراسي المدهش والمثير ونجيب على تلك التساؤلات ونغوص في الغضون والمتون ونتعرف على الكثير من دلالاته واسراره و خفاياه .
وفي البدء نقول : الكرسي بكسر الكاف عرف بأنه مقعد من خشب ونحوه لجالس واحد ، وقالوا إنه السرير ومايقعد عليه ، وقد يكون مصنوع من خشب أو حديد أو جلد أو من فضة وذهب أو مغطى بحرير وفرش وثير ومحلى بالصدف وريش النعام وبحسب مقام من يجلس ويتربع عليه ،ومن الكراسي الحقيقي ، والاعتباري ، أو مايمثل فكرة ذهنية، ومن الكراسي من نختارها بأنفسنا واخرى هي التي تختارنا .
لقد قسم الفيلسوف اليوناني أفلاطون الكراسي إلى ثلاثة أنواع الأول الموجود في طبيعة الأشياء وهو لايوصف لأنه من صنع الله ،وكرسي من صنع النجار ،والثالث من صنع الرسام ،ومن هذه الأنواع الثلاثة ظهرت فكرة الكرسي الأول المرتبط بسلطة المطلق ،والثاني للطبقة العاملة ،والثالث للمبدعين .
إن عالم الكراسي عالم غريب وعجيب وهو ليس بالعالم الجامد وإن بدأ كذلك وكما يتصور البعض ، بل هو عالم يموج بالحياة و المتناقضات والمعاني والعبر والعظات ،
وليس ادل على ذلك من تعدد أنواعها واشكالها واغراضها واختلاف مقاماتها ، فمن كرسي الرئاسة والعرش والحكم، و كرسي التمثيل السياسي والانتخابي وما يجري حولها كما نشاهد في الدول الديمقراطية من تنافس وسباق محموم للظفر به من أجل قوة السلطة ومحبة الذات ومهما كلف ذلك الأمر من أموال أو دماء وتضحيات ، إلى كرسي الوظيفية وعالم المناصب الواسع الذي ربما يجلس عليه من لايستحقه بجدارة ويهبط عليه ببرشوت ،و يتمسك به حتى آخر لحظة في حياته وكأن هذا الكرسي لم يوجد إلا له وحده فقط ،فيما قد يكون الكرسي غير ذي قيمة في نظر أولئك الذين تعاملوا معه وفق القاعدة المنطقية ( الرجل المناسب على الكرسي المناسب)، ومن منطلق أهمية العطاء وأداء المهام والمسؤوليات بأمانة وإخلاص ،وممن يؤمنون في قرارة أنفسهم بأن صدق التجربة وارضاء الضمير أهم من رفاهية العيش المشبوه، بعدما تأكد لديهم صدق تلك المقولة الشائعة( لو دامت لغيرك ماوصلت إليك) ،وكما قال الشاعر ايضا إن الكراسي لاتدوم لأهلها..إن كنت في شك فأين الأول.
ومن ذالك النوع من الكراسي إلى كرسي العلم فيقال من أهل الكرسي اي من أهل العلم ، أو أنه مركز علمي في الجامعات او المجمعات العلمية ويسمى صاحبه ( أستاذ كرسي) ، وهناك الكرسي البابوي الرسولي وهو مركز إقامة البابا ، والكرسي الدوار الذي تتحرك قاعدته على محور ، ومن كرسي الحلاق الذي تدين له رقاب البشر طائعة مختارة ، إلى كرسي في مقهى ،أو مطعم، أو سيارة، أو أتوبيس، أو قطار، أوطائرة، او كرسي في فصل دراسي واخر في فندق او منتجع ، ومن كرسي يتحول من أداة للراحة والاسترخاء إلى أداة بشعة للعذاب وربما فقدان الحياة كالكرسي الكهربائي وكرسي الإعتراف .
ومن أجل الكرسي وبريقه الأخاذ يتصور البعض أنه الباب الوحيد للوصول للسلطة والراحة والسعادة وعالم الثراء ، بينما هناك من يعلم يقينا بأن الكرسي هو أصل البلاء عندما يحيد بصاحبه فيتخلى عن كرامته، ويبيع مبادئه وقيمه بابخس الأثمان، ويبيع آخرته بدنياه فيصبح عبدا للكرسي، لا أن يكون الكرسي عبدا لصاحبه يسخره لغرضه الأساسي في خدمة الناس وسعادتهم وتنمية المجتمع ،وأمثال هؤلاء حتى وإن غادروا كرسيهم في نهاية المطاف سيبقى ذكرهم خالدا في أذهان الناس بما تركوه في نفوسهم من أثر طيب وقيم إنسانية وتعامل حسن ، وطوبى لمن عرف حق الكراسي وواجبها وادى حقها على أكمل وجه ، وحفظ الله الجميع من بهرجة الكراسي وشرها وغدرها وخداعها وبريقها الزائف .

كاتب رأي

 

مشعل الحارثي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى