كُتاب الرأي

الكتابة متنفس الأفكار

الكتابة فنٌّ نبيل، وعمل جليل ورسالة عظيمة، وأسلوب أدبي ناطق بالرمزية تعويضًا عن  التفوّه بالكلام، إلا أنّها فوق ذلك تعني أنها أداة هامة للتواصل بين الناس لا يمكن الاستغناء عنها أو إزاحتها، وهي وسيلة تخاطبْ تقوم على فلسفة تطويع المفاهيم لغرض إيصال المعنى بنفس القيمة والقدر التي تكون عليها عندما تكون محكية قولاً ولفظًا؛ نضيف عليها شيئًا يجعلها مكتملة وباهية إنه إحسان الأديب التعامل مع مضامينها وأصولها.

نعم هي فن له أصوله وقواعده، له ثوابت راسخة لا يعلمها إلا الإنسان الحصيف، الماهر، المتمرس في انتقاء أعمق الأفكار ثم تسخيرها لخدمة رسالته التي يقصدها.

ونظرًا لما لها من أهمية بالغة في علاج كثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصحية ـ أعني الكتابة ولا سواها ـ إلا أنها تبقى بيد المهذّب المبتدئ كالسلاح في حوزة الطفل يمكن أن يتأذى منها وأحيان يؤذي بها غيره من غير قصد.

إنّ التعامل مع الحروف والألفاظ والمعاني يشابه تمامًا التعامل مع السيوف المسنونة ينبغي الحذر الشديد عند الرغبة في استعمالها، هناك من ينغمس في الكلمة ويغوص في أعماقها ليستخرج جوهرًا ثمينًا ينهض بمكانة هذا اللون الأدبي المتعاظم، ويمتاز القصد والسلوك، ويوجد من يجرح ذاته بنفسه عندما ينشئ تعبيرًا خاطئا، أما البعض يسطّر أحرفًا خالية من الاحساس وتفتقر للمتعة اللفظية.

هذا النوع من التثاقف بحاجة إلى فهم أكبر لدلالة: ماذا تعني كلمة مثقف! نوع آخر ينسخُ كي يقال عنه كاتب بينما هو أبعد ما يكون عن الاستمطار الفكري وهناك نوع أخير لا لون ولا طعم ولا رائحة في أفكاره يزخرف بلا إدراك ويدوّن بلا أسلوب ويطرّزُ بلا هوية، يدور في فلك المفردة لا يعلم كيف يصل إلى الغاية فيظل يركض بين الحرف والمفردة بلا رسالة ولا هدف، تكثر عنده الجمل الإنشائية، ويكثر عنده هذر القول وهشاشة الأسلوب، لا يستجر فائدة ولا يعالج قضية وليس بمقدوره الإمساك برأس الجملة ولا يستطيع الإطباق على مفهومها.

الحقيقة أن المتأمل والمتفكر في جمال اللغة العربية ومفرداتها يجدها غنية بالمعاني والصور والأخيلة ولكن عزوف الكثيرين عن القراءة المستمرة وعدم الاطلاع الدائم على قوانين وأصول التأليف والتخطيط المكتوب، والإفقار في إعطائها حقها من المكانة والتقدير، والإفلاس الناتج عن التصحر المعرفي في معالجة القصور اللغوي واللفظي والرفض أو التقليل أو الإهمال في الانخراط بالدورات التدريبية التي تعنى بتعلم فن الكتابة وتذوق أساليبها من شأنه كلّه أن يشوه صورتها ويحدث شرخًا لا يمكن تطبيبه ولا وصف العلاج له.

جديرٌ أن ندرك معنى أن تكون الأقلام متنفسًا لأفكارنا حتى تخرج الموضوعات في مستوى لائق تشد انتباه القارئ وتستأثر بانسجامه المطلق معها، ولكن حقيقٌ بنا أن نستوعب دفء الحرف وجمال الكلمة وبهاء العبارة، ووسامة النص، خلاف ذاك يمكن لنيرانها أن تلتهم الأقلام وتحرق الأوراق وتدمر العقول المسكونة بالأفكار.

صحيح أن كل شخص يريد أن يصبح كاتبًا إلا أن الفعل المحسوس ليس هو ما يجعله بهذه الصفة كون هناك عناصر ينبغي أن تكون موجودة لتساعده لأن يصبح كما يريد، وبحاجة ـ أيضا ـ إلى مهارات بعضها بالفطرة والأخرى بالممارسة والتدريب، نحن هنا نسلط الضوء على أهم الأدوات المعينة على احتراف الكتابة أعلاها شأنًا: القراءة المستمرة وبشراهة عالية من خلالها سوف يتمكن الفرد من التحصل على كم وافر من المعلومات ويكتسب الكثير من المهارات بالتالي سيبدأ بعدها في الاستنارة ليس هذا فحسب ! فالاطلاع على العلوم والمعارف والكتب المتنوعة  ستكون رافدًا قويًّا لتوليد الأفكار فكلما زاد عدد الكتب المقروءة أصبح من السهل وضع عناصر الكتابة على الورقة ثم البناء عليها، شيء آخر ينبغي الانتباه إليه حتى تصبح الأفكار أكثر وضوحًا يجب التدوين بشكل يومي مدة ثلاث ساعات هذا أمر ممتع للغاية فإن كان هناك مشقة فلنخصص ساعة واحدة كل يوم هذا سيكفي ويفي بالغرض حتى تنمو أحاسيس الكتابة، بعدها هيئ مساحة لك في منزلك بأن تجهز مكتبًا خاصًّا تأخذ فيه متسعًا من الوقت  تمارس فيه القراءة والكتابة بعدها التقط نفسًا عميقًا وانتق لك ناقدًا حقيقيًا  ويفضل أن يكون من أصحاب المهنة وكن مستعدًا للنقد هذا سيجعلك تطور مهاراتك وتحسّن عملك الكتابي، بالتأكيد سترى شيئًا مختلفًا عندها اطلق على نفسك عبارة أنا كاتب..

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى