د. سالم بن رزيق بن عوض
مرحلة النضج
طبيعة المخلوقات الحية الصغيرة أنها قادرة بما وهبها الله تعالى على القيام بالوظائف والأعمال وذلك في غضون ساعات أو أيام من ولادتها .فهي قادرة على توفير احتياجاتها وهي قادرة على العيش والتعايش و التفاعل مع الحياة وجميع الظروف التي تظهر في تلك البيئات المختلفة والمتباينة والتي تعيش فيها وبها .
الكائنات والمخلوقات والعوالم الحية الصغيرة مجهزة ومعدة إعداداً دقيقاً وعظيماً للتفاعل والتعامل مع ما تحتاجه في أجسادها وما تطلبه البيئات الطبيعية المحيطة بها ، فهي تبحث وتفتش عن احتياجها من الغذاء الطبيعي ، بعد قدرتها على المشي والحركة ، وكذلك قدرتها على الدفاع عن نفسها ، في أزمنة قصيرة من ولادتها ، ووصولها إلى عالم الحياة .
فجميع الأجهزة والأعضاء تكون قادرة على أداء الواجبات والمهام والمسؤوليات والتفاعل والتكامل والتناغم مع جميع خصائصها وصفاتها كالمشي والركض والحركة السريعة ، وتناول الطعام ، والنوم الطبيعي مع بقية الكائنات والمخلوقات الحية الكبيرة من جنسها .
بينما يخالف الإنسان عند ولادته تلك الكائنات والمخلوقات والعوالم الحية ، فهو يحتاج إلى الزمن الطويل لكي يصل إلى التكيف والتناغم والتعاطي مع مقدار النمو لجميع مكوناته وتلبية الاحتياجات الضرورية والأساسية، والإعتماد على نفسه ، وقد يتجاوز العام وهو لم يستخدم قدميه في المشي لعدم اكتمال النمو فيها ، وقد لا يتكلم خلال تلك الفترة لعدم اكتمال الجانب اللغوي ! .
يهتم علم النفس النمو بمراحل النمو المتعاقبة والمتتالية منذ المراحل الأولى للطفل إلى الطفولة المتأخرة أو المراهقة وكذلك مرحلة الرشد والشيخوخة ، ويرصد هذا العلم المحطات والمراحل التي يمر عليها الإنسان ويسجل كل الملاحظات والمرئيات التي يراها أرباب هذا العلم ليفسروا بعد ذلك طريقة تفكيره وطريقة فهمه وتحديد سلوكه وعملية التعليم والتعلم والتنشئة المهمة حتى يكون الانسان في النهاية إنساناً صالحاً في نفسه وأسرته ومجتمعه.
هناك عدد من النظريات في علم النفس وعلم الاجتماع تسعى كلها إلى رصد وتوثيق وتقويم مراحل النمو التي يمر بها الأطفال ، والتي لا تتجاوز عمر الثامنة عشر وعلاقة تلك المراحل بالنضج ، ودراسة ظاهرة النضج وتحليلها ومقارنتها بمرحلة التعليم والتعلم لدى الاطفال ، وتحديد مراحل النضج وتصميم سلالم لتلك المراحل ، التي تعرف بسلالم النضج منذ الولادة وإلى وبلوغه الثامنة عشر سنة .
في الحقيقة أن النضج في الإنسان يستحق المزيد من الدراسة المنهجية والمراجعة المستمرة والقرب من الإنسان في مراحل نموه وانتقاله المختلف من الطفولة المبكرة إلى الطفولة المتوسطة إلى الطفولة المتأخرة أو المراهقة وكذلك مرحلة الرشد والشيخوخة ، والموضوع يستحق تلك الجهود الطيبة الجميلة التي تبذل فيه ؛ فهذا الإنسان أغلى وأثمن وأفضل وأحسن وأكرم المخلوقات الحية من عوالم الموجودات فهو يأتي ويعلو على جميع العوالم التي دونه كعوالم الحيوانات والدواب وعوالم النباتات وعوالم الجمادات التي تأتي في أسفل هرم الموجودات من المخلوقات.
مفهوم النضج :
يطلق على قدرة العضو أو مجموعة الأعضاء أو الأجهزة داخل جسم الطفل على الأداء الكامل الوظيفي والاستجابات الكاملة للمثيرات الخارجية ، والتفاعل بين المكون الجسدي والفكري العقلي والإنفعالي والاجتماعي وقيام الإنسان بالمهام والأدوار والمسؤوليات التي خلق لها مع مواجهة التحديات والصعوبات والعقبات في متغيرات الحياة مفهوم النضج .
ويعد النضج كما عند علماء النفس وعلماء الاجتماع هو قرين التعليم والتعلم والتنشئة ، وهو يسبق ويتقدم عملية التعليم والتعلم ، ويأتي بعد ظاهرة النمو مباشرة واكتمال مراحله لدى الأطفال ! .
فكلما كان الأطفال مستعدين لخوض التجربة والمغامرة في رحلة الحياة ، من الناحية الجسمية والناحية العقليةالفكرية والناحية النفسيةوالمزاجية والناحية الاجتماعية الإنسانية فثم هناك النضج المنشود ! .
والأطفال منذ فترة الولادة وحتى نهاية الشهر العاشر منها عادة لا يستطيعون المشي والحركة حتى تكتمل نمو جميع الأطراف لديه ، القدمان واليدان والنمو العصبي . كذلك اكتمال حاسة البصر وبقية الحواس الخمس فإن الأطفال يستطيعون استعمالها. أي أن النضج هو التكامل الوظيفي بين الجوانب المختلفة للأجسام والقيام بالوظائف والأعمال التي تظهر على جميع الأطفال وتلك الاستجابات للمثيرات الطبيعية الخارجية بعد النمو الكامل للأعضاء والأجهزة المختلفة .
مراحل مجالات النضج الطبيعي :
أولاً: المجال العصبي :
النمو المستمر لجميع مكونات الجهاز العصبي والوصول به إلى مرحلة الإحساس والتعامل والتفاعل الإيجابي مع مكونات الحياة ، وهذا يظهر في حركة الأطفال ، والمشي ، الكلام ، والقراءة والكتابة فيما بعد .
ثانياً: المجال العقلي الفكري :
عند وصول الأطفال إلى النضج في هذا الجانب تظهر القدرات والطاقات والمواهب والملكات في الأطفال وذلك في مهارات القراءة والكتابة والتحدث وحساب الرياضيات والقدرة العالية على التفاعل مع المتغيرات حولهم .ويستمر النمو العقلي الفكري ولا يتوقف حتى يصل إلى كمال الوعي والفهم والإدراك.
ثالثاً: المجال اللغوي :
قدرة الأطفال على استخدام الكلمات والعبارات والألفاظ في الحديث والكلام وكذلك في مهارات القراءة والقراءة والكتابة. وهذا الجانب اللغوي ينمو باستمرار مع الإنسان في مراحله المختلفة.
رابعاً : المجال الإنفعالي :
قدرة الأطفال على ضبط انفعالاتهم المختلفة والمتباينة ، فمثلاً لديهم القدرة على الصراخ والبكاء ويمكن الضبط والتحكم والسيطرة على هذا الإنفعال بالحوارات والمناقشات ، ظاهرة الخوف عند الأطفال وكيفية معالجة هذه الظاهرة ، والحب والمحبة والمودة العالية وكذلك الكره والبغض بقوة كبيرة ، إن ضبط تلك الانفعالات دليل النضج عند الأطفال .
خامساً: المجال الاجتماعي :
يعد هذا المجال من أهم المجالات التي يظهر النضج بشكل كبير ومباشر فيه ؛ فالأطفال الذين تنضج لديهم القدرات الملكات والمواهب هم قادرون على بناء شبكة من العلاقات الاجتماعية مع أسرهم وعوائلهم مع زملائهم في المدارس مع أصدقائهم في النادي .
سادساً : المجال الجنسي :
ما بين الثانية عشرة والخامسة عشرة من عمر الأطفال من الجنسين البنات والبنين يصبح لدى الأطفال القدرة والقوة والملكة على الجنس وممارسة العلاقة الجنسية والعاطفية كاملة ، فقد ظهرت عليهم علامة أو علامات البلوغ كاملة كنزول الدورة الشهرية لدى البنات أو الإحتلام لدى الجنسين! فهم الآن في مرحلة النضج الجنسي ، ويشاهدون على الحقيقة أن البنين لديهم الميل الفطري الطبيعي للبنات . فالهرمونات تكاد تلعب في أجسامهم، والعواطف والتصورات ملتهبة متدفقة .
ويأتي دور الآباء والأمهات والموجهين الطلابيين في المدارس في التوجيه والإرشاد والنصح والحث على الالتحاق بالبرامج والأنشطة المختلفة والمتباينة لتجاوز تلك المرحلة بسلام .
