كُتاب الرأي
القوى الناعمة عند المرأة

القوى الناعمة عند المرأة
إن الصور النمطية للمرأة في الحضارات المختلفة كانت وما زالت تنتقل بها بين البشر ؛ وكأنهم يتواصون بها! فمن ربة الخطيئة الأولى ! إلى ربة الفراش وقضاء الوطر والحاجة ! إلى الأمَة ! إلى البضاعة المزجاة ! إلى الدفن حية إلى البيع والشراء فيها ! إلى آخر هذه المراحل والتنقلات والسلاسل المؤلمة المبكية والتي فيها التأريخ لا يرحم والمسرحية الهزلية لا تنتهي !
وظهر الإسلام العظيم بتعاليمه العظيمة وأماط اللثام عن الفطرة التي تراكمت عليها الأتربة والغبار عبر القرون والسنون والحضارات والمدنيات التي تواطأت على غبن وقهر وظلم وهدر كرامة وإنسانية المرأة، وصب عليها من مياهه الطهارة والنقاء والعناية والعدل والمساواة والحرية الكاملة ما جعلها ترفع رأسها عاليًا ولا تخفضه إلا لربها عز وجل.
فكرم الإسلام المرأة جنسًا كامرأة واحتفى بأدوارها المتعددة في الحياة، فيحتفي بها أمًّا وأختًا وزوجةً وبنتًا وعمةً وخالةً وقريبةً. وزيادة في الاحتفاء والتقدير لها سمّى القرآن الكريم بهن بعض سوره، كسورة النساء وسورة مريم وسورة الطلاق وسورة الممتحنة وسورة آل عمران التي تتحدث عن هذه الأسرة المباركة الكريمة والتي ولدت فيها مريم ابنت عمران وولدها المسيح عيسى بن مريم عليه السلام.
وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواقفه معها، وانتصاره لها وحدبه عليها ورحمته بها ووصاياه في المناسبات الكبرى بالنساء كحجة الوداع وخطب الأعياد.
ورأت المرأة النور في الإسلام كاملًا وعرفت نفسها وقامت بدورها ومسؤولياتها خير قيام في صدر الإسلام وفي دولة الخلافة الأموية والعباسية.
ومع مرور القرون والسنون غلب على كثير من المسلمين العادات والتقاليد على التعاليم السماوية والتي ربما تندرس أحيانًا وأحيانًا تعود قشيبة.
وتأخرت المرأة في القرون المتأخرة فلا تعليم ولا قراءة ولا كتابة ولا مدارسة ولا حفظ للقرآن الكريم ولا للسنة المطهرة ولا فقه ولا عمل صحيح يرضي الله تعالى فيهن فتأخرت الأمة بتأخرها وتخلفت عن ركب الأمم المتقدمة في كل المجالات بسبب تخلفها هي !
وعبر الزمن الطويل وتعاقب الحضارات والمدنيات وتقلبات الدنيا ببني آدم عليه السلام وما قدَّموا من الضرب في الأرض طولًا وعرضًا وسعةً وضيقًا وحربًا وسلمًا وقوةً وضعفًا، وما أفادوا به بعضهم بعضًا كانت الحياة البشرية تقف على قدمين مباركين مكرمين هما الذكر والأنثى أو الرجل والمرأة.
نعم المرأة الشريك الحقيقي للرجل في إنسانية الحياة وهي الأم والأخت والزوجة والبنت والقريبة والمربية والمحبة والحبيبة والصابرة والمستشارة والرفيقة في دروب الحياة المختلفة للغني والفقير والقوي والضعيف والملك والمملوك فهي شريكة هؤلاء جميعًا.
وإذا كانت المرأة بهذه المكانة وتلك المنزلة فإن الاهتمام بتعليمها وتربيتها وتوجيهها فرض لازم على القائمين عليها والنتيجة الطبيعية للتعليم والتربية هي تكليفها بالمهام والأدوار والمسؤوليات التي خلقت لها وتعلمت لأجلها فإن لها من تلك الأدوار والمهام لا يقوم به إلا هي وحدها كما أن هناك مهام وأدوار لأخيها الرجل لا يقوم به إلا هو وحده. والإيمان بالمنح والمواهب والقدرات التي تملكها المرأة وحسن توظيفها في مكانها مضانها هو المنوط بكل من تسنم شيئًا من المسؤوليات والمهام.
المرأة حقيقة مخلوق جميل في عقله وعاطفته وروحه وصورته ومنظره وصوته ومواهبه وطاقاته وقدراته، وهو يكمّل الحياة وهو كمالها، ويصنع الحياة الصغيرة، وقادر على المشاركة في البناء والعمل والفكر والعاطفة والبذل والتضحية وإعطائه مساحات للإبداع والعطاء سوف يُفجّر طاقاته ومواهبه ويساعد في دفع عجلة الحياة ويصنع لنا النموذج الفريد.
لذا لكي يتم للمرأة هذا التمكين والمكانة وحتى تفيد العالم الصغير والكبير حولها عليها:
أولًا: الإيمان بربها وفضله عليها وعلى والديها.
ثانيًا: التعرف على سيرة نبيها وهديه ووصاياه لها.
ثالثًا: التعرف على النماذج التي صنعها لها الإسلام وصنعتها لها الحياة العملية المبنية على الكدح والتعب وبذل الجهود الجبارة في سبيل العزة والرفعة.
رابعًا: أن تقاتل في سبيل رفع مستواها العلمي والتعليمي فلا ترضى إلا بأعلى الشهادات وأرفع المنازل.
خامسًا: أن يكون لها نموذج إنساني نسائي خاص بها، وتكون لها بصمة وشخصية فريدة، وأن تضع طاقاتها وإمكاناتها في خدمة دينها ووطنها وعالمها الإسلامي الكبير.
سادسًا: الإيمان بنفسها وقدراتها وطاقاتها ومواهبها وما حباها الله تعالى دون غيرها، وأن تحسن توظيف هذه الطاقات والقدرات فيما يعود عليها وعلى دينها ووطنها بالنفع والخير والعزة والسؤدد.
الطريق نحو العزة والعلياء والمجد طويل وعليها خوض ذلك الطريق بما فيه وسلاحها العلم والمعرفة وسمو الأخلاق والنظرة الثاقبة إلى الأمام والاستعانة بالكفاءات والقدرات والمواهب التي تريدها قوة وحركة …
و يصدق عليها قول شاعر العربية والنيل الكبير حافظ إبراهيم في الأم خاصة وفي المرأة عامة :
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها
أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا
بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى
شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ