القرارات المشوهة وعلاقتها بانتفاء جودة الحياة

القرارات المشوهة وعلاقتها بانتفاء جودة الحياة
حين يسرف الإنسان في استغلال المواقف لمصلحته، يمنح نفسه ويعطيها الحق أن تتصرف كما يحلو لها ، ويستغل عامة الظروف في إيقاع الأذى بالآخرين ، وتشتيت اجتماعهم ،وبعثرة حياتهم، وتدمير مصالحهم ، وسلب حقوقهم ، ويوغل في الإهلاك، ويسترسل في بطشه،ويتغول في جبروته،ويلحق بهم القهر وينتزع منهم الطمأنينة، ويحرق قلوبهم على مقدراتهم ، ومكتسباتهم ويقضي على المستقبل بقرارات أحادية مشوهة،وتعسفية لا تحقق جودة في الحياة ولا تؤنس وحشة ولا تبني أوطان،ولا تساعد على التعايش، ثم يأتي اليوم الذي يجب فيه مقاضاته ومحاسبته على ما اقترفه من أعمال تخالف المبادئ القويمة وتناهض الإنسانية فيعترض عليها ويصفها بأنها قرارات مشوهة! وأنها مجحفة في حقه ، ولا أساس لها من الصحة، ويصف ما اعتمده وصادق عليه أنه صائب وأنه يحقق جودة الحياة!! عندئذٍ ينبغي عزله والقبض عليه والإمساك به ، ومحاسبته لضمان جودة القرارات التي اتخذت ضده و يدعي أنها غير قانونية وأنها كالجنين المشوة الذي لم يكتمل نموه.
مثل هؤلاء نقول لهم في وجوههم أنكم تسيرون على خطأ ، ولا يجب مسايرتهم على خطئهم وإلا سيكون المصير والمغبّة هلاك الجميع.
بالأمس أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي وإحالته إلى المحاكمة، عمّا اقترفه بحق الأطفال والعجزة وكبار السن والإبادة الجماعية الممنهجة التي استعملها بحق الأبرياء الذين لا ذنب لهم فيما يحصل سوى أنهم شعب أعزل لا يملك ما يدفع به الأذى عن نفسه ، ولا يملك من حطام الدنيا شيئًا إلا حبهم وانتمائهم للمكان الذي يعيشون فيه وهو حق مكتسب لهم لا جدال ولا مراء في هذا ، ولا شأن لهم فيما يحصل من تطرف يقوده هو وأركان جيشه.
إن القرارات التي صدرت بالأمس ويراها ويصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بالمشوهة لم تعجبه ولم تصفو له، بالتأكيد هي قرارات حصيفة وسديدة، ويعلم يقينًا أنها كذلك وهي بالتأكيد تحقق جودة الحياة حتى وإن كانت في نظره مشوهة، هي قرارات صائبة وفيها جرأة لكي يفيق من التمادي والتوسع غير المبرر فيما يقوم به من أعمال تنافي الإنسانية، حتى يصحو من الإسهاب والتعسف الذي يمارسه ويستفيق من التغافل ويتوقف عن الشطط الذي لا يخدمه في شيء.
فالتضييق على مثل هؤلاء الجبارين، الذين يدعون الإنسانية ، وإصدار قرارات توقف طغيانهم وجبروتهم نعتقد أنها ليست مشوهة وليست خاطئة إنما هي قرارات تحقق جودة الحياة ، وتعيدهم إلى التفكير الصائب في التعامل بإنسانية حتى وهم على رأس الجبهات.
إن المواجهة والمقابلة للخصوم لها أصول وقواعد ، لها سنن وتنظيمات ، لها أماكنها ، ولها أوقاتها.
ماذنب المباني التي هُدِمَتْ؟ وماذنبُ الأطفال الصغار وذوي الهمم الذين قتلوا تحت قصف الطائرات ونيران المجنزرات؟ ماذنبُ تلك المرأة العاجزة التي لا تقوى على الحراك أن يتم تصفيتها وهي من الأساس لا تقوى على خدمة نفسها!
إن المحاربين الشرفاء في ميادين الصراع يعلمون يقينًا أن هناك قواعد اشتباك لا يمكن تجاوزها وعندهم الأخلاقيات التي تؤكد عليهم عدم الاقتراب من أرواح الأبرياء، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي خالفها وكان يجب إصدار هذه المذكرة التي يراها مشوهة حتى يتحقق للجميع جودة الحياة.
من غير المعقول أن يستمر هذا النزيف، هذا أمر غير مقبول إطلاقًا، أمر تجاوز حدود العقل والمنطق والإنسانية، شيء فوق مستوى التحمل، عام بأكمله استخدمت فيه أسوأ التعاملات ، تجويع وتشريد واغتصاب وتهجير ، وتدمير لكل شيء.
من غير المعقول ألا يصدر مثل قرار الأمس ولو صدر خلافه لفقدت الإنسانية مكانتها، نعم لو لم يكن ذلك القرار سليمًا ! لما استشاط غضبًا، لما قفز من مكانه مستاءً. هو يعلم أنه قرار صحيح ولكن عجرفته وكبرياءه وتبلده، وعدم شعوره بآلام الآخرين دفعه لأن يسخط، ويحتدم غيضًا ويمتلئ كرهًا، ويتوعر صدره ويعبس بوجهه.
في الختام إذا أردت العيش بسلام وأمان عليك أن تدرك تمامًا أن لكل فعل خاطئ ردت فعل تعاكسه في الاتجاه والقوة ، وأن الدنيا بأكملها لن تقف معك ما دمت مسترسلا في افتراس الأبرياء وكأنك في غابة لا يحكمها شيء ، وعليك أن تعلم أن هناك شرفاء همهم الأول إعادة المذنب إلى طريق الصواب.
قد يسكت الناس عنك بعض الوقت ولكنهم لن يصمتوا كل الزمن.
آخرًا
جودة الحياة ليست في أزهاق الأرواح ، جودة الحياة في السلام والتسامح والاحترام المتبادل ، جودة الحياة في التعليم والصحة ، جودة الحياة في حفظ العهود والمواثيق،في تعزيز وتنمية الثقافة، في المحافظة على الكرامة ،في تحقيق التميز العلمي والابتكاري.
هكذا تكون جودة الحياة.
انتهى
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي