كُتاب الرأي

الفنون الأدائية السعودية

الفنون الأدائية السعودية

الفنون الأدائية في المسرح السعودي تمثل مزيجًا فريدًا من الذاكرة الشعبية والحاضر الإبداعي، وهي ليست مجرد أشكال استعراضية تقليدية، بل إرث حي يعبر عن هوية المجتمع السعودي وتنوع مناطقه الثقافي. ومع انطلاق رؤية المملكة 2030، اكتسبت هذه الفنون بعدًا جديدًا، حيث لم تعد حبيسة الساحات الشعبية والمناسبات المحلية، بل انتقلت إلى خشبات المسارح المجهزة بأحدث تقنيات الصوت والإضاءة، لتُعرض أمام جمهور محلي وعالمي بلمسة معاصرة تحافظ على الأصالة وتستفيد من الحداثة.
ومن أبرز هذه الفنون الدحة، التي ارتبطت بتاريخ البادية في شمال المملكة، وتعود جذورها إلى طقوس الحرب والفخر القبلي، إذ كانت تُؤدى في ميادين النزال أو الاحتفال بالنصر، حيث يقف الرجال في صفين متقابلين يصدحون بالأهازيج الحماسية، ويؤدون حركات إيقاعية بالأيدي والأقدام، تتخللها صيحة قوية تهز المكان. ويُرجع بعض المؤرخين هذه الرقصة إلى ما قبل مئات السنين، حين كانت وسيلة للتعبير عن الوحدة والقوة وإثارة الحماسة في النفوس. واليوم، صارت الدحة جزءًا من العروض المسرحية التراثية في المهرجانات الوطنية، تؤدى بملابس تقليدية وألحان معدلة لتناسب الإخراج الحديث.
أما المجرور، فيحمل عبق مدينة الطائف، ويعود تاريخه إلى أكثر من مئتي عام، حيث نشأ في بيئة الحجاز المرتبطة بالتجارة والحياة الاجتماعية الثرية بالألوان الموسيقية. يؤدى المجرور عادةً في المناسبات السعيدة، ويقوم على صفين من الرجال يحملون الدفوف ويرددون أشعارًا غزلية أو مدحية بإيقاع ثابت ووقار مميز، بينما يتحركون بخطوات متناسقة تدل على الانسجام الاجتماعي. وقد وثق الباحثون أن كلمة “المجرور” جاءت من حركة جر الأرجل بخطوات منتظمة،
وهو ما يضفي على الأداء طابعًا مهيبًا يليق بالاحتفالات الكبرى.
ويأتي السامري من قلب نجد، حيث ارتبط بالسمر الليلي في البوادي والقرى، وكان في الأصل أداءً غنائيًا يتناوب فيه المغنون على إنشاد أبيات شعرية على إيقاع الطبول والدفوف، مع حركات جسدية متمايلة تتناغم مع اللحن. يعود تاريخ السامري إلى أكثر من ثلاثة قرون، وتنوعت أغراضه بين الغزل والمدح والفخر، وهو فن يُشعر من يسمعه بالدفء الاجتماعي وقرب النفوس. في المسرح الحديث، تم توظيف السامري ليكون جزءًا من مشاهد درامية تمزج بين الغناء والحوار، مما يمنحه حياة جديدة أمام الجمهور.
ومن الجنوب، تبرز الخطوة كفن أدائي ينبض بروح القبائل في عسير وجازان ونجران، وتعود أصولها إلى الاحتفالات بالنصر أو المناسبات الاجتماعية الكبرى. تتسم الخطوة بحركات إيقاعية دقيقة يؤديها الرجال في صفوف منظمة، مع ضربات قوية بالأقدام على الأرض تواكبها ألحان الشيلات أو القصائد الحماسية. يُقال إن اسمها جاء من دقة الخطوات وتماسك الإيقاع الذي يشبه ضربات قلب جماعية تعبّر عن الفخر والانتماء. وقد طورت الفرق الاستعراضية الخطوة لتظهر على المسارح الكبرى بحركات أكثر تنوعًا وإضاءة تبرز جمال الزي الجنوبي المميز.
إن الجمع بين هذه الفنون في المسرح السعودي ليس مجرد عرض تراثي، بل هو مشروع وطني يعزز الانتماء ويروي قصة المملكة للعالم من خلال جسدها الإبداعي. فوزارة الثقافة وهيئة المسرح والفنون الأدائية تعملان على دمج هذه الألوان الشعبية ضمن الإنتاجات المسرحية، مع تدريب الفرق على الأداء الاحترافي، واستخدام التقنيات الحديثة لإبراز جمالية كل رقصة وصوت وإيقاع. وهكذا، تتحول الدحة والمجرور والسامري والخطوة إلى جسور فنية تصل بين الماضي والحاضر، وتخدم أهداف رؤية المملكة 2030في جعل الثقافة أسلوب حياة، وتقديم التراث السعودي كقوة ناعمة تحاور العالم بلغتها الخاصة.
وكما سبق الإشارة إليه في هذه الأسطر تُعد الفنون الأدائية في المسرح السعودي جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية للمملكة، حيث تعكس تنوعها التراثي وتاريخها العريق. في ضوء رؤية المملكة 2030، وتسعى وزارة الثقافة، ممثلةً بهيئة المسرح والفنون الأدائية، إلى تعزيز هذا التراث الشعبي وتقديمه بشكل معاصر، مع التركيز على المشاركة الفعّالة في الساحة الدولية.
ومن أبرز الفنون الأدائية التي تحظى بدعم الوزارة وتقديمها على المسارح المحلية والدولية الالوان الشعبية كفن الخبيتي في الحجاز
وتسعى وزارة الثقافة إلى إبراز هذه الفنون على المسارح المحلية والدولية، من خلال تنظيم مهرجانات وفعاليات ثقافية. على سبيل المثال، نظمت الهيئة مهرجان “قمم الدولي للفنون الأدائية الجبلية” في منطقة عسير، بمشاركة فرق محلية ودولية، حيث تم تقديم عروض تمثل الفلكلور السعودي والعالمي. كما شاركت الفرق السعودية في مهرجان جرش الثقافي في الأردن، حيث قدمت عروضًا أدائية مميزة مثل الدحة والخطوة والسامري، مما يعزز الحضور الثقافي السعودي على الساحة الدولية   .
بالإضافة إلى ذلك، تُنظم الهيئة ورشًا تدريبية وبرامج تعليمية لتطوير المهارات المسرحية، مثل برنامج “إعداد الممثل والارتجال” الذي أُقيم في عدة مدن سعودية، بهدف تعزيز الوعي المسرحي وتطوير الأداء الفني  .
من خلال هذه الجهود، تساهم وزارة الثقافة في تعزيز الفنون الأدائية المسرحية والفرق الموسيقية، وتقديم التراث السعودي بشكل معاصر، مما يعكس التزام المملكة بالحفاظ على هويتها الثقافية وتعزيز حضورها على الساحة الدولية.

أ. أماني الزيدان

اماني سعد الزيدان

كاتبة رأي ورواية مسرحية ومشرفة على في ظلال المشهد المسرحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى