كُتاب الرأي

الفلسفة المشائية

 

 

في كل خطوة نخطوها، تتحرك أذهاننا كما تتحرك أقدامنا. لعل هذا ما أدركه أرسطو حين أسس مدرسته الفلسفية المشائية، حيث لم يكن التدريس مجرّد كلمات تُلقى، بل رحلة تمشي فيها الفكرة جنبًا إلى جنب مع الخطوات. في زمن كانت الفلسفة فيه تبحث عن الثبات واليقين، جاء أرسطو ليعلّمنا أن التفكير ليس حالة جامدة، بل عملية متحركة، تنبض بالحياة.

سُميت المدرسة المشائية نسبةً إلى طريقة أرسطو في التدريس؛ كان يسير في أروقة اللوقيون مع طلابه، يناقشهم ويحثهم على التساؤل . فكلمة “مشائية” مشتقة من الكلمة اليونانية “Peripatetikos”، والتي تعني “المشي أو التنقل” لم يكن المشي مجرد عادة، بل وسيلة لإطلاق العنان للعقل. فالحركة الجسدية كانت تُشعل شرارة التفكير، وكأن الخطوات تُخرج الأفكار من أعماق الذهن إلى النور.

لم تكن المدرسة المشائية مجرد فلسفة نظرية، بل نموذجًا عمليًا للعلاقة بين الجسد والعقل. أرسطو آمن أن التفكير عملية نشطة تحتاج إلى تدفق مستمر، والمشي كان وسيلته لتجسيد هذا التدفق. وكأن كل خطوة هي تأكيد على أن العقل لا يعمل إلا عندما يتحرك.

ما زالت فكرة الربط بين الحركة والتفكير تلهم الكثيرين حتى اليوم. في العصر الحالي، هناك من يمارس اجتماعات المشي، حيث تتحول النقاشات إلى جلسات حية أثناء التنقل. بل حتى الدراسات العلمية أثبتت أن المشي يزيد من الإبداع ويحفز على إيجاد حلول مبتكرة للمشكلات.

ربما يكمن الدرس الأهم في بساطة الفكرة. نحن نعيش في زمن مليء بالسكون أمام الشاشات، بينما عقولنا تحتاج إلى تحفيز مستمر. ماذا لو خصصت وقتًا يوميًا للمشي دون وجهة، فقط لتدع أفكارك تنطلق؟ ربما تجد أن الحلول التي بحثت عنها طويلاً كانت تنتظرك على الطريق.

كان أرسطو يمشي ليفكر، ونحن نمشي لنعيش. ولكن ماذا لو عشنا لنفكر أثناء المشي؟ في كل خطوة نخطيها، قد يكون هناك فكرة تنتظر أن تُولد، أو حلٌّ يتخفى بين إيقاع أقدامنا. فحين تشعر أن ذهنك مشوش، لا تجلس، بل امشِ… قد تكون الفكرة العظيمة على بُعد خطوة منك.

 

بهجه أحمد

كاتبة رأي

بهجه أحمد

كاتبة رأي وشاعرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
الذهاب إلى الواتساب
1
م حبا أنا سكرتير رئيس التحرير
مرحبًا أنا سكرتير رئيس التحرير وأنا هنا لمساعدتك.