كُتاب الرأي

العنف في الدراما السعودية: استدعاء للواقع أم تصدير من الخارج؟

فاطمة سعد الغامدي

 

العنف في الدراما السعودية: استدعاء للواقع أم تصدير من الخارج؟

تشهد المملكة العربية السعودية اليوم قفزة نوعية في المشهد الأدبي والدرامي، في ظل انفتاح ثقافي مدروس يحترم الثوابت الدينية والاجتماعية، دون أن يغض الطرف عن المسكوت عنه. هذا الانفتاح فتح الباب أمام معالجات أكثر تنوعًا وجرأة في الكتابة السردية والدرامية، مدعومًا بحراك ثقافي نشط شمل إطلاق جوائز للأدب والترجمة والدراما، واهتمام أكبر بالإنتاج الفني ومعالجته.

من أبرز الموضوعات التي تتصدر المشهد الدرامي في الفترة الأخيرة: العنف.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل العنف المعروض في هذه الأعمال انعكاس لواقع المجتمع السعودي، أم أنه مستورد من بيئات وقوالب لا تشبهه؟

الواقع يقول إن العنف – بأشكاله كافة – موجود في كل مجتمع، ولا يخلو منه بيت أو أسرة أو مؤسسة. قد يكون عنفًا لفظيًا، جسديًا، أو حتى معنويًا كالإهمال أو اللامبالاة. وهو إما طارئ ناتج عن ظروف، أو دائم مرتبط بعوامل أعمق، مثل السلطة الذكورية، أو تغييب صوت المرأة تحت غطاء العادات والتقاليد، أو الفروقات الطبقية، أو حتى التغيرات الاجتماعية السريعة التي تترك أثرها النفسي على الأفراد.

وقد نجحت بعض المسلسلات السعودية في تقديم هذا العنف ضمن سياقات واقعية ومنطقية، مثل “العاصوف” و**“اختطاف”**، حيث تم تناول الأسباب المجتمعية والنفسية بعين فاحصة وطرح متزن.

لكن المثير للدهشة هو دخول أنماط عنف دخيلة على المجتمع السعودي، تُعرض في بعض المسلسلات وكأنها جزء من نسيج الحياة اليومية، رغم أنها لا تعكس الواقع الحقيقي.
القتل في الشارع وأمام المارة، اتهامات الشرف الفوضوية، والعدالة الغائبة عن المشهد… هذه صور درامية لا تنتمي إلى بيئة يتسم نظامها القضائي بالحزم، ويطبق الشريعة الإسلامية التي تقتص من القاتل وتجلد القاذف وتلاحق المجرمين بلا تهاون.

ومن الأعمال التي وقعت – للأسف – في فخ الدراما المبالغ فيها:
مسلسل “أكثر من خوات”، و**“بيت العنكبوت”**، حيث فُرضت مشاهد عنف لا تتفق مع طبيعة المجتمع ولا قوانينه.

ومع دخول منصات مثل “شاهد” و**“Netflix”** إلى ساحة الإنتاج المحلي، بدأت تتشكل رؤية فنية ناضجة تتعامل مع العنف بوعي أكبر، لا كترويج ولا كعنصر إثارة، بل كمشكلة اجتماعية تستحق التفكيك والمعالجة.

وهنا، ترتفع مسؤولية الفن بوصفه أداة توعية وتنوير، ليقدم عنفًا واقعيًا يعكس بيئتنا، دون تهويل أو استيراد نماذج بعيدة، وليشجع كتاب السيناريو على فهم بنية العنف بدلًا من تجميله أو تطبيعه.

الدراما السعودية اليوم تقف على مفترق طرق، فإما أن تسير في خط توثيق وتحليل واقعها الخاص بعمق، أو أن تنجرف خلف الإثارة الزائفة التي تضعف رسالتها وتغترب عن جمهورها.

كاتبة رأي

 

 

 

 

‫3 تعليقات

  1. ابدعتِ بالفعل ..
    لكن على الاقل بيت العنكبوت اهون من ( اكثر من خوات )
    القصة تافهة وجميعها صُدف ..
    طالقم التمثيل لم يكن كما يجب

  2. فعلا مقالة صدق
    طرحتِ موضوعا واقعيا ترجم مايدور في ذهني ويثير غضبي مما أرى
    المسلسلات التي أشرتِ لها وغيرها
    لاتطابق واقعنا ولاتمثلنا هي نسج من خيال في محاولة اقناع ومحاولةظهور ولفت انتباه وجذب مشاهدات وكسب جوائز نحمد الله أن المجتمع السعودي يخلو من هذا الجرم ومن هذهِ القسوة المنسوبة لنا. نسأل الله السلامة ودوام نعمة الأمن والامان في مجتمعاتنا دام إبداعك أستاذة فاطمة🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
الذهاب إلى الواتساب
1
م حبا أنا سكرتير رئيس التحرير
مرحبًا أنا سكرتير رئيس التحرير وأنا هنا لمساعدتك.