العمى

بقلم/ د. شادي الكفارنة.
لكل إنسان عينان يرى بهما تنير له درب طريقه، وإذا أصيب بالعمى يكون قد ذهب بصره؛ وبذلك يكون عاجزًا عن النظر بعينيه، وأيضًا يُصاب الإنسان بعمى النظرة والبصيرة فيكون بذلك اهتز فكره التكتيكي واختل تخطيطه الاستراتيجي.
ولكن التساؤل …نحن على أي نوع من العمى؟!عمى البصر أم عمى البصيرة؟!
كلنا قد نصاب بعمى البصيرة؛ لكن بدرجات متفاوتة ومختلفة من إنسان لآخر ومن بيئة لمجتمع متنوع آخر، وإن الواحد منا يشعر بعمى البصيرة بعد وقوع حدث ما، أو تقييمنا لموقف أو مرحلة مررنا بها أو نمر، أو عندما نكتشف حقيقتها وندرك هذه المرحلة ونقارنها بالواقع المعيش في حياتنا، لكن القلق عندما ينتقل عمى البصيرة من الفرد إلى مجتمع الناس عامة، بذلك يكون العمى جمعي، وهذا يصعب الأمور نحو ضبابية الرؤية وغشاوة البصيرة في النظرة إلى مستقبلنا، فيحدث بذلك اختلالًا في المنظمومة العامة للمجتمع ، وكل من يعيش هذا الاختلال تتأثر بصيرته، وتتحول نظرته وتختل منظومته الأخلاقية التي تضبط علاقاته بالآخرين. إننا مصابون بشتى أنواع العمى؛ عمى الصدق الإنساني الذي تراجع بسببه التزام الناس بتطبيق وعودهم الحقيقية في واقعهم، وعمى الأمانة في حفظ الود والقيام بالعهود على أتم وجه، ورد الأمانة لأصحابها وتأديتها لأهلها، وعمى العفو عن الناس في خلافاتنا معهم، فلا نصفح عنهم ولا نحسن إليهم، وعمى الشُّكْر وعِرفاِن النعمة وإظهارها والثناء بها، وحل مكانه التنكر للعرفان، وعمى الرحمة في رقة القلب والشفقة على بعضنا بعضا وحل مكانها القسوة والحقد ، وعمى الصَّبْر من التجلُّد وحسن الاحتمال والصَّبْر على المكروه واحتماله دون جزع وسكن مكانه التسرع في سلوكنا والتعجل في تصرفاتنا، وعمى الرفق في تعاملاتنا اللينة وتبني الفظاظة لنظهر خشونة قوتنا وتخويف غيرنا، وعمى الاستقامة في الاعتدال وفي سيرتنا و أمرنا وتبني الظلم والطغيان، وعمى الحياء في الاختشاء والخجل والتجرؤ على التعدي على حقوق غيرنا بحيث لا نعتبر وجودهم، وعمى الاحترام في تكريمنا الذي أوصلنا إلى التجرد من تقدير من حولنا، وعمى التعاون المشترك بيننا الذي أوصلنا إلى التفكير بأنانيّة ، وعمى الحب الوجداني والود الإنساني الذي أضعف بصيرتنا من إظهار الحب والود بيننا، وعمى الإخلاص مع ذاتنا قبل تعاملنا مع غيرنا،
وعمى التواضع من خلال تجاهل غيرنا والتكبر على مكانتهم ومحاولة تقزيمهم و إقصائهم و تصغيرهم وتهميشهم، وعمى الأفق للبصيرة وضعف الرؤية القوية، والانتماء الصادق والولاء المخلص للإنسانية، وعمى الفكر التقدمي والتمسك بأفكار رجعية انهزامية.
أصابنا العمى من العيش في أزمات متراكمة متنوعة ولكنها متغيرة ومتحولة، وهذا أظهر إصابتنا بكل أشكال العمى، ولكنه بشكل نسبي حسب قوة بنية المجتمع وتماسك تركيبته وإرثه الثقافي وقراره السياسي واستقراره الاقتصادي وسلوكه التربوي ونوع أزمته التي يتعرض لها، وقد نعيش حالة العمى في ضعف نظرتنا واختلال بصيرتنا وتراجع رؤيتنا في محيطنا فقط، وليس تعميمًا على كل المجتمعات.
إن من الجدير بذكره أننا في حالة من التيه ما بين إصابتنا بعمى البصيرة و بين التمسك بالقيم الأخلاقية وضعف تطبيقها وضبطها لسلوكنا، وإنه يجب علينا أن نحاول مرارًا علاج عمانا بكل الوسائل والطرق من خلال الحب الوجداني والفكر العقلاني والود الإنساني، وأن نلبس ثوب البصيرة في احترامنا وتقديرنا، والرؤية في تصرفاتنا ونظرتنا في سلوكياتنا.