العلاقة بين عادات المال وشح الرغبات

العلاقة بين عادات المال وشح الرغبات
مع تزامن إيداع مرتبات الموظفين في حساباتهم البنكية، تظهر لنا حالة تكاد تكون خطرة.
يتعين على الجميع أن يسأل نفسه! هل تبقى بين يديك مبلغًا لو رمزيًا من أجرك المخصوص الذي تقبضه عن الفترة المعلومة التي تقضيها في عملك!!
هل دخلت على حاسبة جهازك لتبدأ في حساب منصرفاتك؟
إن أقدمت على هذا فأنت واقع تحت تأثير الالتزامات العالية.!!
هناك علاقة وثيقة بين من يعتاد وجودية المال وتوفره ولا يستجيب للمغريات، وبين من يفتقده ويسعى للحصول عليه وحين يتحصل عليه ينفقه من غير حساب.
لو أمعنا جيدًا في أحوال الناس لاتضح لنا صدق هذه العبارة.
بالتأكيد إنّ المال عنصر هام في حياتنا نستغني به عن اللئام ويحفظ كرامتنا ويمدنا بالدفء، لكن ليس هذا موضوعنا، نحن نتحدث عن انزلاق الكثيرين خلف المظاهر ، التقليد ، والنمذجة، والمقارنة، والتوافقية مع ما يملكه الآخرون.
إننا في مواجهة شاقة ومضطردة مع الرغبات والشهوات الاستهلاكية، في موقف ضعيف مع كل ما يقع عليه النظر، في ضعف واستسلام تام أمام بريق الحياة، وتوهج المغريات، هكذا هي الواقعية التي يعيشها كثير من الناس ، بالتالي نفقد معها مقدراتنا ومدخراتنا في لمح البصر ، نعم نفقدها بسبب القوة الشرائية غير المبررة ، بسبب الإسراف والبذخ الذي نسكبه على الرغبات، ولو قُدّر لنا التفكير بنسبة 20%لما ننفقه لوجدنا أننا نفق ما نجنيه على الكماليات ونغفل الضرورات رغم أننا لم نخلق وفي أيدينا ملاعق ذهبية.
لتكن هذه البداية لنعرف بعدها النهاية.
نحن في عصر المال ، والسرعة، عصر تنطوي ساعاته في دقائق وأيامه في ساعات ، وشهوره في أيام، لا نشعر بهذا التسارع إلا حين نفقد مميزات كانت في حوزتنا وكأننا لم نتنبه لقصة حارس الخليفة الذي أضاع مكتسباته بسبب الشراهة في الانكباب على الميول ووقوعه تحت تأثير الهالة الجوفاء والانخداع بزخرف الأطماع.
اعلم رحمك الله ألا أحد خُلق وفي يده ملعقة من ذهب، أبدًا لم يخلق الله الناس أغنياء، خلقهم ليتعلموا كيف يتدرجوا ليكونوا أثرياء، خلقهم لمنطلقات نفعية عديدة بل أنه قدّم المال درجة ليكون زينة الحياة وأخّر البنون لعلمه اليقين أن صلاحهم مقرون بتوافر أدوات تساعدهم على الاستقامة وأوفرها حظًا ونصيبًا المال!!
لكن لو هذا العنصر انتفى وجوده من حوزة الكثير !! ما الذي سوف يحصل لهم!!
لو فقد الناس هذه النعمة ماذا يمكن أن يصير إليه مستقبلهم؟
يجب معرفة هذا جيدًا، أنّ ملايين البشر ليسوا أغنياء ولا أثرياء ولكن تقع عليهم مسؤوليات كثيرة للمحافظة على ما عندهم من مكتسبات كما أن عليهم يقع الويل في حال تفريطهم بأرباحهم هذا إذا كانوا قد أبقوا لهم أرباحًا مما اكتسبوا!
لك أن تتخيل ملايين البشر يعيشون تحت خط الفقر لأسباب لهم يد بها و ينتشرون ويعيشون في هذا الكون وعندهم العلم مسبقًا أن الحياة قاسية،تحتاج إلى صبر وعمل مستمر ومثابرة حتى يحصل الفرد على الثروة ولكن حين يحصل عليها تسبقه رغباته وشهواته للصرف وبعثرة ما تعب من أجله!!
لذا ينبغي علينا أن نسأل !! ما الثروة التي يمكن لها أن تجعلنا نقاوم التبذير ونبخل في الصرف على الهوامش؟
أمامنا اليوم قضية شاملة تتحدث عن صناعة وتنمية الثروات، وقبلها يتعين أن نرسم ملامحها، ونوعها!
هل المقصود بهاثروة المال؟ أم هي ثروة من نوع آخر!
لذا سوف نتناول هذا الموضوع المهم بالتباعدية لا التقاربية أقصد شيء من مهارات التفكير العليا.
اسأل نفسك أولاً عما إذا كنت تقصد بالثروة أنها امتلاك مبلغ معين من المال؟ أم تريد أن يكون لديك مستوى دخل معين؟ أو ربما تريد الذهاب في رحلة سفر طويلة كما هو الحال الذي عليه أقرانك أو زملائك؟
علينا أن نفهم العلاقة بين عادات المال وشح الرغبات
نعم !! هذا ما أود الوصول إليه وتوضيحه.
إن ما تعتقده عن موقفك المالي ومقاربته بما عند الآخرين يعتبر نافذة ساخنة تجلب إليك هواء حارقًا لن تتمكن بعدها من السيطرة على بوصلة التفكير وهذا ما يجعلك تندفع بكل قوتك فيما بعد نحو محاولة منع كتلة اللهب من أن تصل إليك ولكنك لن تتمكن من إطفائها نظرا لوقوعك تحت وطأة المتعة.
ستظل مقلدا لهم إن لم تتخلص من التكاليف غير اللازمة ، كما أنك ستبقى في محاولات بائسة أن تشابههم، لتعيش كما يعيشون لكنك سوف تُسحق لأنك واقع تحت تأثير الأمنيات
أما وإن غالبتها، وداومت على مقاومة الاشتهاء ووقفت في وجهه حتمًا يمكنك الانتقال إلى مربع الاكتفاء أو كما يحلو للبعض تسميته بمربع الحاجات.
هذا المربع يجرد الشخص من الانجرار خلف الاستجابة الفارغة للشراهة بل ويجعل منها هامشا رائجا يدفعه لامتلاك القوة والصلابة أمام جشع النفس وهواها.
يقول سقراط عن الرضى بما يملكه الإنسان : إنّ الرضى هو الثروة الطبيعية فكيف نحصل عليه إن لم يأت بشكل طبيعي دون تصنع!!
أما الفيلسوف الروماني سينيكا فيرى أنّ أعظم الثروات تعني غياب الرغبة في الأشياء.
ختامًا/
ليس من الحكمة أن نستهلك كل ما نراه أو نشعر بصريمة تجاهه، فالشعور بالجوع لا يعني أنك جائع بصورة حقيقية قد يأتي الشبع من القناعة وقد يأتي الجوع من الفراغ الحاصل بين الاشتهاء والحاجة إلى الغذاء.
إننا مخلوقات فاترة القلب نعبث بكل شيء ، بالشراب ، بالغذاء، بالطموح، بالمقدرات وكأننا أطفال نصنع فطائر لذيذة ثم نقوم بتوزيعها ليأكلها فقراء وأغنياء الحي رغم أننا بحاجة إليها أكثر منهم.
انتهى
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي
جمييييل وفي محله فعلاً مقاومة الرغبات والانسياق وراء الكماليات باتت ضرورة لمواجهة الحياة… وثروة المرء تكمن في عقله وإدارة جهده فكل منا يعتبر ثروة إن أدرك ذلك👍أصبت استاذ علي👌
نعم مقاومة الرغبات وعدم الانسياق وراء الكماليات باتت ضرورة لمواجهة الحياة.
أفهم مقصدك أستاذة زايدة حقوي.
شكرا لك على مشاركتك القيمة.
دائما داعمة ومساندة نشطة.