كُتاب الرأي

العفة كنز لا يفنى

 

د.هشام محفوظ
تصورت للحظات أنني سأتصل بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لآخذ مشورته في كلمات هذا المنشور على صفحتي الخاصة..
أحكمت الأمر وتوكلت على الله مصليا على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالصيغة الإبراهيمية التي في التشهد ثم قلت:
في زحمة الحياة واصطخابها بالأحداث الخاصة والعامة تبقى دائماً دعوة من أخ لأخيه – بظهر الغيب – سبيلاً من سبل الخير في هذه الحياة المزعجة المحرجة..
كأنما هناك من بين جنبات روحي من يسألني : و لماذا الحَرَج؟
مبعث الحرج في هذه الحياة أن تتماس أحوال بعض الكرام مع مثَل عربي عريق مركوز في ذاكرتنا العربية “تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها” !
نعم، فالعفة كنز باق ، والحرة وكذلك الحر وإن بلغ منهما الجوع مبلغاً عظيماً لا يسألان الناس، فلا تعمل الحرة مرضعة عند أحد ، في مقابل حفنة من مال تسد رمقها ، ولا يذل الحر نفسه .
تبعاً لتباين مستوى القدرة على الاحتمال بين البشر، القراءة الاجتماعية التحليلية لهذا المثل قد تختلف من عصر لآخر ، لاختلاف الظروف و الأحوال ، وتختلف درجة اليقين في إيجابية هذا المثل من حيث صيانة الكرامة وحفظ ماء الوجه ، علما بأن في القرآن الكريم ما يوافق هذا المثل العربي ، حيث امتدح أولئك الذين و إن ضاقت بهم الظروف ولكنهم” لا يسألون الناس إلحافا” .
وكأنني من داخلي أسمع هذا السؤال ومن بعده الإجابة:
هل يعين الله الشخص الذي عف نفسه ولم يسأل الآخرين إلحافا؟.
إن العفة بالامتناع عن سؤال الناس يوافق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: “من يستعف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستغن يغنه الله، ولن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر” .
ويرى العلماء أن معنى قوله ـ من يستعف ـ أي يمتنع عن سؤال الناس . ومعنى قوله: “يعفه الله ” أي يجازيه الله على استعفافه بصيانة وجهه ودفع فاقته بفتح أبواب من عنده .
جزاء عبادة الله والتقرب إليه بالصبر وبالتعفف الذي يقتضي ستر الحال عن الخلق وإظهار الغنى لهم ؛ فيكون المتعفف معاملا لله في الباطن ؛ فيحصل له الربح على قدر الصدق في التعفف وحتى يحصل ذلك يعينه الله على الصبر والتحلي بالقناعة و إظهار الاستغناء بالله عن الناس ، فهذا من مكارم الأخلاق .
و قد تصادف أحدهم في حياتك وتتأكد من أنهم من الذين يتصبرون و يتعففون ولا يسألون الناس إلحافا ، وتعجز عن المساندة المطلوبة ، عندئذ تبقى دائماً دعوة من أخ لأخيه – بظهر الغيب – سبيلاً من سبل الخير في هذه الحياة المزعجة المحرجة..
فذاك الدعاء لأخيك بظهر الغيب من مكارم الأخلاق، والملائكة تؤمن على دعائك وتقول “ولك بالمثل”..

و أختم بكلمات للشاعر العربي الراحل كـريـم العـراقـي التي تصلح أن يكون عنوانها” العفة كنز لا يفنى”:
لَا تَشْكُ لِلنَّاسِ جُرْحًا أَنْتَ صَاحِبُهُ
لا يُـؤْلِـمُ الجُــرْحُ إلَّا مَـنْ بِـهِ ألَـــمُ
شَكْوَاكَ لِلنَّاسِ يا ابنَ النَّاسِ مَنْقَصَةٌ
وَمَنْ مِنَ النَّاسِ صَـاحٍ مَا بِهِ سَـقَــمُ

فاللهم سترك ورضاك والجنة !
آمين!

د.هشام محفوظ

كاتب وناقد وشاعر _ وإعلامي وإذاعي مصري _ عضو اتحاد كتاب مصر _ نائب رئيس شبكة البرنامج العام _ وكبير مذيعي إذاعة البرنامج العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى