كُتاب الرأي
العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك

د. سالم بن رزيق بن عوض
العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك
ها هي الأيام المعدودات من شهر رمضان المبارك تنصرم وتتهادى مبتعدة عن الصائمين والصائمات ! وما يكاد يفرح الصائمون بيوم إلا ورحل وذهب بعيدا بما كُتب فيه من الأعمال والأقوال والأفعال .
وأستقبل الصائمون والصائمات يوماً جديداً ولحظات وثوانٍ ودقائق وساعات جديدة جميلة ورائعة ومؤثرة إلا إنها تؤشك على الرحيل السريع من بين أيديهم ! .
العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك كالعشر الأوائل في جمالها وكمالها وسرعة إنقضائها ورحيلها وهي تشبه العشر الوسطى من الشهر كذلك ! عادة يظن الإنسان أن الزمان يقصر إذا ملء بالطاعات والصالحات والبركات والمسرات !
وهذا ربما صدقته التجارب والحياة ! .
بدأت أيام شهر رمضان المبارك ذات يوم تحمل الخير والود والمحبة والرأفة والسلامة والعافية والسكينة والإحسان ! وها نحن نستقبل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك كما اسقبلنا العشر الأولى والوسطى المباركة ؛ ولنا مع هذه العشر الأواخر المباركة وقفات إيمانية :
الوقفة الأولى : مرتبة الإحسان إلى الله تعالى :
شهر رمضان المبارك هو شهر الإحسان إلى الله تعالى والرقي بعبادة الصائمين إلى درجة الإحسان في الدين بأن يعبدوا الله تعالى كأنهم يرونه كما رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان: قال الإحسان : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
فالإحسان في التعرف على الله تعالى والإقتراب منه تبارك وتعالى وزيادة الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه والحسنى وصفاته العليا وزيادة الإيمان بملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره وزيادة الإيمان باليوم الآخر ، وتصور قربه ! وأنه ليس بين العبد وبينه إلى الموت والوفاة ومفارقة الدنيا !
الوقفة الثانية : الإحسان في الصيام:
الإحسان في الصيام هو الغاية من صيام شهر رمضان المبارك وذلك بالمحافظة على الإمساك الكامل عن الطعام والشراب والشهوة وأصناف المفطرات والحرام كذلك ؛ في شهر الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وذلك في جميع الأيام والليالي المعدودات ؛ وليظن المسلم الصائم في صيام شهر رمضان المبارك هذا أنه صيام عبد مودع ! وكأن هذا آخر رمضان يصومه في حياته !
الوقفة الثالثة : الإحسان في القيام :
ويكون ذلك بالمحافظة على الفرائض كلها أداء وإخلاصاً في أوقاتها وحيث ينادى بهن ! وعلى سنة المصطفي صلى الله عليه وسلم وكذلك بإنزال النوافل والتطوع فيها بمنزلة الفرائض والواجبات ، وليرفع شعار : ( صل صلاة مودع ) !.
الوقفة الرابعة : الإحسان في الصدقة والإنفاق:
النفوس في هذا الشهر الكريم فيها إقبال على الحق والخير وإدبار عن الباطل وأهله والصدقة والنفقة تقربان العبد من الله تعالى وبهما تمحا الخطايا والسيئات وترفع بها الدرجات والكرمات ، والصدقات والبر في شهر رمضان المبارك هو برهان صدق صاحبها من الصائمين والصائمات مع الله تعالى ، فعلى الصائمين والصائمات أن يصدقوا مع الله تعالى في الصدقات والإنفاق في أماكن الخيرات.
الوقفة الخامسة : الإحسان في إفطار الصائمين:
شهر رمضان المبارك ضيف كريم عزيز من الله تبارك وتعالى إلى الصائمين والصائمات ! وهم حريصون فعل الخيرات والبركات ، حريصون البذل في وجوه الخير !” ومن أكرم تلك الوجوه الذين أقبلوا على الصيام وهم فقراء وغير قادرين حتى توفير وجبة إفطار أو سحور فالصائم اللبيب الفطن هو من يتحرى ويبحث عن أؤلئك الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس إلحافا فيغنيهم بتوفير وجبات إفطار وسحور كل شهر رمضان المبارك.
الوقفة السادسة : الإحسان في بر الوالدين:
الشهر شهر بر ووفاء وهو مبارك ، شهر الصلة والتواصل والبر وأعظم البر وأعظم الصلة بر وصلة الوالدين فهما السبب الحقيقي في وجودك بعد الله تعالى فالمسلم الصائم يتعهد والديه بالزيارة والإنفاق والحنان والرحمة وكمال الذل والتذلل لهما في كل حين وإن كان رمضان المبارك الأعظم والأفضل أجرا بإذن الله تعالى.
الوقفة السابعة : الإحسان إلى الزوجة والأولاد:
في أواخر ساعات ولحظات شهر رمضان المبارك تكون الزوجة قد بذلت قصارى جهدها في العمل والإجتهاد من أجل الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة المباركة فهي
المشرفة والمسؤولة عن إتقان مادة الإفطار والسحور لمدة شهر رمضان المبارك كله مع بناتها مع أولادها ؛ فعلى المسلم الصائم الفطن اللبيب أن يشكر ويدعو لهم جميعاً ولا بأس من إكرامهم بالهدايا الخاصة بهذه المناسبة الجميلة .
الوقفة الثامنة : الإحسان إلى العمال والخدم :
هؤلاء الناس بين أيدينا أخوة وأخوات عاملين وعاملات ؛ وهم من بلاد بعيدة تركوا أرضهم وسماءهم وأهلهم وذويهم وما ألفوا وأتت بهم الحاجة تسوقهم إلينا فأدنى حقوقهم وعلينا هو الإحسان إليهم صغارا وكبارا شيباً وشباباً رجالاً ونساء علينا رفع شعار الإحسان إلى جميع العاملين والعاملات فهو الخير كل الخير بالمال أو بالوقوف معهم والسماع لهم ومحبتهم ورسم الابتسامة على شفاههم وإشعارهم بالأنس والقرب والرحمة والرأفة..
الوقفة التاسعة : الإحسان إلى الجيران والأقارب والأرحام:
جيراننا ربما أقرب وأدنى لنا من أقاربنا وأرحامنا فالأفضل في هذه العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك الإحسان إلى هؤلاء وهؤلاء وفع شعار الصفح والعفو والتسامح وطي صفحات الماضي وفتح صفحات جديدة من المحبة والرأفة والرحمة بهم جميعاً وإكرامهم بالمال والجاه والزيارة والدعوة والمشاركة لهم فيما يحبون .
الوقفة العاشرة : الإحسان إلى النفس بالاستثمار في الوقت :
في ثنايا هذه العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ينشد الصائمون والصائمات الظفر بليلة القدر الليلة التي قال عنها ربها تبارك وتعالى أنها (خير من ألف شهر ) فالبحث عنها مطلب وغاية سامية وتنويع سبل الخير دين وفهم راق للصيام في شهر رمضان المبارك!
فإستثمار كل ثواني ودقائق وساعات هذه العشر المباركة بما يقربك من ربك تبارك وتعالى وبما يملأ قلبك وعقلك ونفسك إيمانا ويقينا ومحبة ورحمة وصلة بالله تعالى !
شهر رمضان المبارك محطة إيمانية كبيرة فلا يفرط فيها إلا محروم فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزق الجميع قبول الصيام والقيام والصدقة وخالص الأقوال والأعمال والفوز والفلاح بقيام ليلة القدر المباركة ، وأن يعتق الجميع من النار …
آمين آمين آمين يارب العالمين.