كُتاب الرأي

العادات الأصيلة… هوية لا تُباع ولا تُستبدل

العادات الأصيلة… هوية لا تُباع ولا تُستبدل

في زوايا الذاكرة، حيث دفء المجالس، ورائحة القهوة، وتلك السجادة التي اجتمع عليها الكبار والصغار، تكمن عاداتنا الأصيلة… عادات لم تكن مجرد طقوس تُمارس، بل كانت روحًا تسري في البيوت، وتغرس في النفوس معنى الانتماء والاحترام والأصالة.
كنا إذا جلسنا، قدّمنا الكبير، وإذا تحدثنا، خفضنا الصوت، وإذا اختلفنا، احترمنا، وإذا اجتمعنا، اجتمعنا على القلوب لا على الموائد فقط.
كانت الأعراف تُربي، والتقاليد تحفظ، والعادات تؤدّب، حتى نشأ جيل يعرف للبيت وقاره، وللمجتمع ملامحه، وللهوية جذورها.
لكننا اليوم، في زمن الانبهار السريع، نكاد نرى تلك العادات تتلاشى شيئًا فشيئًا، ويحلّ محلها زيف الحضارات المستعارة، فلا نحن بها تقدّمنا، ولا بعاداتنا احتفظنا.
صرنا نُقلّد في اللباس، في المناسبات، في العلاقات، حتى غيّر التقليدُ ملامحنا، فصرنا نعيش في بيئة لا تُشبهنا، ونتحدث بألسنة لا تُعبر عنا، ونفرح بأشكالٍ لا نعرف أصلها ولا معناها.
أيليق بنا، ونحن أحفاد المجد، أن نُبدّل الكرم بالتصنّع؟!
وأن نستبدل بساطة الطيبين بصخب المظاهر؟!
أن نهجر التراحم والتزاور، لنُقيم العلاقات على الشاشات والردود الباردة؟!
ليست العادات الأصيلة حجرًا يُثقل، بل جذرًا يثبت.
هي التي علّمتنا أن الكلمة مسؤولية، والضيف نعمة، والجار حرمة، والحياء زينة.
وحين نفرّط فيها، فإننا لا نخسر عادة فقط، بل نخسر هوية، وأصالة، وتاريخًا سُقي بدموع الأمهات، ودعاء الآباء، وحكايات الجدّات عند المساء.
أيها الشباب والشابات كونوا أنتم من يحملها، لا من يُشير إليها من بعيد.
كنوا امتداد الأصالة، لا صفحة منسوخة من ثقافة دخيلة.
إن المجتمعات لا تُقاس بحداثة مبانيها، بل بعمق جذورها، ورسوخ قيمها، وتمسكها بما يميزها.
وما العادات إلا جدران الهوية، إن هُدمت، ضاعت الملامح في زحام العولمة.

بقلم د/ دخيل الله عيضه الحارثي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى