الطيبون: سنابل الخير التي لا تذبل

الطيبون: سنابل الخير التي لا تذبل
في زحمة الحياة وصخب الأيام، بين الصراعات والتقلبات، يظل الخير والصفاء عنوانًا للإنسانية، وللبشرية أملٌ لا يموت.
إن الطيبين، هم القلوب النقية التي تنبض بالحب والعطاء بلا حساب، هم منارات تنير دروب الظلام وتزرع الأمل في النفوس المرهقة.
ولأنهم كالسنابل في الحقول، لا يخافون جفاف الأرض، بل يحفظون بذور الخير، وينتظرون موسم الحصاد ليعيدوا الحياة والوفرة، فإن أثرهم يبقى خالدًا، وإن تبدل الزمان وتغيرت الأحوال.
في عالمنا المتغير، تتهاوى فيه قيم كثيرة، وتذبل فيه أحيانًا معالم الخير والصفاء، فيبقى الطيبون في مجتمعاتنا كالسِّنابِل، تحمل في جوفها بذور الخير والمحبة والعطاء، فالطيّب لا يزول وجوده بمجرد ابتعاده أو جفائه، بل تتحول أفعاله وأثره إلى قمح يستفيد منه الحاضر ويُزرع لأجيال المستقبل.
السنابل التي تجف قد تبدو في ظاهرها فاقدة للحياة، لكن ما تختزنه في جوفها من بذور هي مصدر الخصب والوفرة، كذلك الطيبون، مهما بدا أنهم ابتعدوا أو خُذلوا أو تعرضوا للخذلان، فإنهم في حقيقتهم لا يفقدون جوهرهم الإنساني ولا قيمتهم الحقيقية، فهم مثل القمح، الذي مهما مر بفصول الجفاف، يعود ليزرع الأرض خيرًا وثمارًا.
الطيب ليس مجرد حالة عابرة، بل هو صفة متجذرة في النفس، تتجاوز الزمان والمكان، هو بذرة تُزرع في القلوب، ولا يمكن أن تذهب سدى مهما تأخر الحصاد.
من هنا نرى أن من يحمل الخير في قلبه لا يموت أثره، حتى وإن جف عطاؤه في لحظات ضعف أو انكسار، فإن محبته وطيبته تظل راسخة، تُغذي النفوس حوله، وتُثمر في القلوب.
في المجتمعات، يحتاج الناس إلى هذا النوع من الطيبين الذين هم كالسِّنابِل في الحقول، يزرعون الأمل، يحيون القيم، ويغذون روح الإنسانية، فلو نظرنا إلى كل طيّب كقناة للخير، لأدركنا أن كل إنسان يحمل في داخله قمحًا ينتظر أن يثمر وينمو مهما كانت الظروف صعبة.
إننا اليوم بحاجة لأن نحتفي بالطيّب نرعاه ونتعلم منه الصبر والإخلاص، ونتذكر أن كل سنبلة قد تبدو يابسة أو جافة، هي في الأصل مصدر حياة جديدة، وهذا درس جميل في التواضع والحنان، وفي قوة العطاء الذي لا يموت.
واليوم نحن نعيش في وطن العطاء والخير والنماء، وطن تجري في أرضه أنهار الكرم وتهب فيه رياح السخاء، حيث يُزرع الخير في كل زاوية وتُروى بذور المحبة في القلوب بفضل الله ثم بتضافر الجهود الصادقة لأبنائه الطيبين، وهذا ما يجعل من الطيبين في وطننا كالسِّنابِل، لا تذبل ولا تذوي مهما اشتدت قسوة الظروف.
فلنكن جميعًا سنابل خيرٍ مهما جفّت أو طال الجفاف، فإن فينا بذورًا لا تنتهي.
د. دخيل الله عيضه الحارثي