كُتاب الرأي
الطلاق القرار الغليظ

د. سالم بن رزيق بن عوض
الطلاق القرار الغليظ
أثارني مرة كلام زوج يُروى في مجلس صلح بينه وبين زوجته وقد علت الأصوات ! واضطربت الأعصاب ، وبدأت حال الجميع تسوء ! وهو يُطالب بالهدوء والتروي والسكينة وعدم رفع الأصوات ! والزوجة المسكينة غارقة في صوتها العالي ! إذ قال الزوج : يا شيخ نحن الزوجان والأولاد في سفينة واحد نحن نديرها ! أنا القائد وزوجتي النائبة عني ! والسفينة الآن تتلاعب بها الرياح الشديدة! إذا لم تساعدني في ضبط السفينة وعودتها إلى السكينة والهدوء والسلامة والاستقرار وإلا فضلا منها : تنزل وتغادر منها !!
حقيقة الحياة الزوجية والأسرية السعيدة هي حياة التفاهم والتفاعل والتعاون والتراحم والتغافر والتسامح والتكامل فإذا هي خلت من تلك الصفات والسمات والكمالات كانت عرضة للأعطاب والتلف وربما التفكك والإنهيار !
عندما تشتعل الحرائق بين الأزواج والزوجات داخل البيوت الطيبة المطمئنة ! وتبقى مشتغلة ! ولا يبادر أحد في إطفائها ! أو أن ما يصب عليها من التوجيهات والتوصيات والمقترحات غير كافية فإنها تحترق وتحرق أهلها معها !
بعض بيوت المسلمين والمسلمات اليوم عبارة عن صفائح ساخنة ! وحرائق في الغابات الخضراء الكثيفة! وقنابل يوشك أن تنفجر على أهلها ! وخصومات متتالية ! وتجاذبات ! وشتائم وسباب لأتفه الأسباب ! بل يوشك بعضها أن نشبهها بالحروب المعارك المشتعلة بين الأزواج والزوجات والزوجات والأزواج !
إن فقدان الجسور الطيبة المطمئنة الجميلة الهادئة التى توصل بين الأزواج والزوجات يعد من المشكلات الأسرية الكبيرة ! وكذلك فقدان الأمان والشعور به بين الأزواج والزوجات يعد الخطوة الأخيرة بإتجاه القرار الصعب الغليظ وهو قرار الطلاق الفعلي الحقيقي والانفصال بينهم.
قد تصل الحياة الزوجية في بعض محطاتها ومراحلها إلى محطات حرجة جدا ! ومراحل من الصعوبة بمكان ! وقد يتوقف الأزواج مع الزوجات ويحصل الحوار واللقاء الهادئ المطمئن، والكلام الطيب الجميل ؛ فتهدأ تلك العواصف وتعود سفينة الحياة الزوجية إلى طريقها وسبيلها الصحيح تمخر عباب الأمواج العاتية في علو وشموخ وثقة كبيرة !
وقد تكون الأحداث والوقائع الحياتية الجارية هي القشة التي قسمت ظهر الحياة الزوجية والأسرية ؛ ويأتي على أثرها
القرار الصعب الغليظ وهو قرار الطلاق والانفصال بين الأزواج والزوجات ، ويكون التفكير والتركيز منصباً على كيفية التخلص من هذه العلاقة السامة جدا ؟ !
فتنطلق كلمات الطلاق بقولهم : أنت طالق طالق طالق ! أو أنت طالق بالثلاث ! أو توكلي على الله تعالى أنت طالق ! ويكون ذلك مباشرة أو عبر الاتصال أو عبر الرسالة ، لتنتهي تلك الحياة الزوجية والأسرية والتي كانت عامرة ! وربما أستمرت سنوات وسنوات في كلمات عظيمة قيلت !.
بعض الأزواج الكرام وكذلك بعض الزوجات الكريمات اتفقوا فيما بينهم على القرار الغليظ وهو الطلاق ! الطلاق الهادئ الناجح ! فاتفقوا قبل تنفيذه على تفاصيل حياتهم وحياة أولادهم بعد الطلاق ! أين سيعيش ويسكن الأولاد ؟! الأوقات المخصصة للزيارة ؟! المبلغ المالي الذي سوف يصرف للأولاد ؟! طريقة المتابعة للأولاد في المدارس ؟! من المسؤول عن التعليم ؟! من المسؤول عن التربية والتنشئة ؟ من المسؤول عن متابعة السلوك وضبطه ؟! ومن المسؤول عن الترفية والتسلية واللعب للأولاد ؟! وغيرها من التفاصيل ! ثم يحددوا بعد ذلك يوم المراجعة في محكمة الأحوال الشخصية للطلاق !
إن قرار الطلاق قرار عظيم بعظمة ميثاق الزواج ! وهو قرار غليظ وخطير ؛ وله من العواقب والنتائج السلبية على الأزواج والزوجات أنفسهم ! وعلى الأولاد وعلى وأسرهم والمجتمع ! وما تقوم به الجهات المسؤولة في محاولة الصلح والمصالحة بين الأزواج والزوجات كذلك ! هي جهود كبيرة وعظيمة ومباركة في ذلك ؛ وقد كان لهذا العمل المميز النتائج والمخرجات الإيجابية في تغيير قناعات كثير من الأزواج والزوجات والصلح بينهم ثم العودة إلى استئناف الحياة الزوجية من جديد ؛ وقد أشرنا إلى ذلك في مقال نشر سابقاً بعنوان 🙁 الميثاق التوافقي الطلاقي )
تلك الجهود الطيبة المباركة يمكن الإضافة إليها :
أولاً : أن تكون آلية وطريقة الطلاق والانفصال بنفس آلية وطريقة عقد الزواج أي حضور الولي حتى عند الطلاق ! كأسلوب وطريقة ردع وعدم التهور في حل هذا العقد الكبير والميثاق الغليظ والتريث في اتخاذ القرار الغليظ( الطلاق ) .
ثانياً: عقد الدورات التدريبية واللقاء التوعوية والتثقيفية للذين وصلت حياتهم الزوجية والأسرية إلى هذه المرحلة الخطيرة .
ثالثاً: حث ودعم المخلصين العاملين في مجال الصلح والمصالحة! هذا المجال العظيم على زيادة تذكير الأزواج والزوجات بخلق الهدوء والتروي والسكينة قبل اتخاذ مثل هذا القرار مطلب مهم ؛ وحريٌ بالأزواج والزوجات العقلاء والفضلاء الأكياس!. لتبقى الحياة الزوجية والأسرية متماسكة ومتعاونة وسعيدة بإذن الله تعالى.
رابعاً: تقديم الشكر والتقدير والثناء المعنوي للجهات التي تعمل على الصلح والمصالحة بين الأزواج والزوجات ، وعلى ما يقومون به عمل عظيم يجمع الشمل ويعين على تجاوز التحديات والصعوبات التي يواجهها الأزواج والزوجات.