كُتاب الرأي

الطلاق العاطفي ( مفهومه ومظاهره وأسبابه وعلاجه )

الأصل في الحياة الزوجية والأسرية أنها تبنى على الحب والمحبة والرأفة والرحمة والمودة وعلى إقامة الواجبات الزوجية والأسرية وجعلها من أسس وأعمدة المنزل المبارك وعدم التنازل عنها مهما كانت الظروف والأحوال، ولا تؤدي حقوق كاملة ما لم تنفذ واجبات كاملة .

هكذا يراد أن تبنى الحياة الزوجية والأسرية بين الأزواج والزوجات؛ فهناك إلتزامات كاملة من قبل الأزواج وكذلك وإلتزامات كاملة من قبل الزوجات وهذه الواجبات بمثابلة الأعمدة الحقيقية لبقاء سقوف البيوت عالية وإلا سقطت تلك السقوف على رؤوس الجميع .

والحياة الزوجية والأسرية كما أنها تبنى على الحب وحسن المعاشرة فإنها بحاجة إلى التعاون والتراحم والتغافر والتكامل والتنازل بين الزوجين الكريمين وقبول كل طرف للآخر ، وطول الأمد يولد العادة والتبلد وعدم الإحساس لذا كان لتجديد الحياة الزوجية والأسرية أهمية كبرى من حين إلى حين ومن فترة إلى فترة .

الحياة الزوجية والأسرية بين الأزواج والزوجات قد يعتريها ما يعتري الحياة الطبيعية في دنيا الناس من

الإقبال والإدبار والشغف والإهمال والحب الشديد والفترة
والهدوء والسكينة والأعاصير والزوابع ولكن تحسس الأزواج والزوجات لمراحل الحياة الزوجية والأسرية وإدبارها وظهور أمارات وعلامات الجفاف العاطفي والبعد بين الزوجين الكريمين والبرود في العلاقة الجنسية والعاطفية والبرود في المشاعر والأحاسيس وعدم الإهتمام وضعف الإحترام والتقدير كل ذلك مؤشرات ودلائل على ظهور مرحلة خطيرة في الحياة الزوجية وهي الطلاق ( النفسي أو الصامت أو المعنوي ) العاطفي.

مفهوم الطلاق العاطفي:

هو حالة عدم الإتزان وعدم التوافق بين الزوجين الكريمين في القيام بأداء الواجبات بينهما وإهمال الحقوق الزوجية والأسرية مما يؤدي إلى البعد والفتور والنفور من بعضهما رغم وجودهما في بيت الزوجية .

أسباب الطلاق العاطفي :
أولاً : تغيرات في الزوجة :
التغيرات التي تمر بها المرأة الطيبة الجميلة الهادئة من الولادة والنفاس والدورة الشهرية والتغيرات النفسية والمزاجية وطول مدة هذه الأعراض قد يورث ذلك البعد بين الزوجين الكريمين، وإن زادت المسافة الزمنية ربما يصل بهم إلى ظهور الطلاق العاطفي.

ثانياً : الظروف الإقتصادية والضغوط المادية :
التي تمر على الأزواج والزوجات والأثر الكبير الذي تتركه على الأوضاع المالية والمعيشية والإنفاق والصرف والإدخار على الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة يؤدي إلى زيادة المسافة والبعد بين الأزواج والزوجات وقد يسبب الطلاق العاطفي.

ثالثاً: الأحوال الشخصية الصحية أو البدنية والتغيرات السلبية التي تمر عليها من الإصابة بالأمراض والأجواع والأسقام والعلل المزمنة قد تكون من الأسباب الرئيسة في ظهور الطلاق العاطفي بين الأزواج والزوجات.

رابعاً : ظهور قنوات التواصل الإجتماعي :
وما فيها من الجمال المصنوع غير الحقيقي والواقعي للنساء والرجال والمقارنة التي تظهر على أعين وألسنة وأفكار الأزواج والزوجات قد يُزهّد هؤلاء في هؤلاء ويساعد في التباعد بين الزوجين الكريمين في الفراش وفي المعاش .

خامساً : شخصيات الأزواج والزوجات :

كذلك هناك بعض شخصيات وأنماط الأزواج والزوجات يصاب بالملل والرتابة من العلاقات الزوجية والأسرية الرتيبة ويرغب في التغيير والتطوير للأفضل والأحسن ولكن الطرف الآخر لا يرغب في ذلك فيحدث البعد والتباعد والطلاق المعنوي الصامت.
سادساً: المرحلة العمرية للأزواج والزوجات :

ويعد من الأسباب في ظهور الطلاق العاطفي بين الأزواج والزوجات بلوغ الزوج أو الزوجة مرحلة عمرية معينة قد تكون بعد الثلاثين أو الأربعين بالنسبة للرجال في زيادة الحاجة إلى المعاشرة والجماع وعدم تلبية الطرف الآخر لتلك الرغبات والاحتياجات، وبعض الأزواج والزوجات عقدوا الزواج في مرحلة عمرية مبّكرة وصغيرة ، ومع التقدم في العمر تتغير النفوس والمشاعر والأحاسيس ويحتاج كل واحد منهم إلى التغيير داخل العلاقات الزوجية أو التغيير للحياة الزوجية بشكل عام .

ومن أبرز مظاهر وصور الطلاق العاطفي:

اولاً: عدم الرغبة في غرفة النوم والمعاشرة والجماع حتى ولو كان على فترات متقطعة متباعدة ، فهناك من يرفض ذلك أو يعتذر بالأعذار الواهية .

ثانياً: عندما الإجتماع بين الأزواج والزوجات يغلب عليهم الصمت والهدوء وعدم الحديث أو عدم إطالة الحديث مع الطرف الآخر ولذا سمي هذا الطلاق بالطلاق الصامت.

ثالثاً: هؤلاء الأزواج والزوجات يعيشون في بيت ومنزل واحد ولكنهم كالغرباء يتحول الأولاد بينهم إلى مراسلين .

رابعاً: يميلون جميعاً إلى الهروب والخلوة بأنفسهم فالأزواج يهربون إلى خارج المنزل أو في غرف لا يدخل عليهم أحد وكذلك الزوجات وتأكل وحياتهم قنوات التواصل الإجتماعي.

خامساً: قد يتسلط على الزوج أو الزوجة شياطين الإنس فيلعبون عليهم ويصطادونهم في مسارب الحرام .

سادساً: يحافظ الأزواج والزوجات على بيت الحياة الزوجية والأسرية ربما خوفاً من الفضيحة الإجتماعية كون الطلاق عند بعض الأسر والعوائل جرم كبير ومنقصة أو رغبة في المحافظة على تربية الأولاد والإهتمام بهم .

سابعاً: الإهمال الكامل للأسر والأولاد من قبل الأزواج أو الزوجات أو من الجميع ، وتبقى الحياة الأسرية بائسة .

ثامناً: تدني مستويات الأولاد الدراسية والسلوكية الأخلاقية وإقبالهم على تعلم العادات والتقاليد المذمومة والسلبية السيئة كالسهر والتدخين والإنحرافات الأخرى.
ولذا إذا رأى الأزواج والزوجات بعض هذه المظاهر والمؤشرات فعلى الجميع الوقوف والمراجعة والمسارعة في العلاج ومحاولة وضع الحلول من الداخل ومن الخارج فإن البنيان يؤشك أن يقع على رؤوس الجميع ويتحول الطلاق العاطفي إلى الطلاق الفعلي الحقيقي.

مراحل الطلاق العاطفي :

أولاً: مرحلة الشك وعدم الثقة بين الزوجين الكريمين:

وهذه المرحلة خطيرة جداً أن يصل الزوجان إلى تتبع العثرات والأخبار وتغليب الشك بينهما الذي يؤدي إلى نزع الثقة بينهما .
وحدّة اللسان في النقد السلبي والتركيز على العيوب وربما زاد ذلك فوصل الزوجان إلى العنف اللفظي والسباب والشتائم.
وقد يصلان إلى العنف البدني بينهما .

ثانياً: مرحلة النفور من العلاقات الزوجية:
يظهر في هذه المرحلة عدم المعاشرة والجماع في الفراش ومحاولة الإعتذار بالتعب والمرض احياناً وأحيانا نؤجل المعاشرة الليلة وهكذا ، ويكون كل ذلك في غرفة النوم وعلى فراش الزوجية بشكل دوري .

ثالثاً: مرحلة الهروب من غرفة النوم:
يفضل بين الأزواج والزوجات في هذه المرحلة النوم في غرفة أخرى بعيدا عن الآخر وتتكرر الأعذار ويتكرر النوم خارج غرفة النوم .

رابعاً: مرحلة أو ظاهرة التأخر المتعمد :
ففي هذه المرحلة يظهر التأخر المتعمد في الوصول إلى البيت من الزوجين الكريمين وقائمة الأعذار موجودة لديهما ، كذلك التأخر في النوم والإنشغال ربما بالتوافه من قنوات التواصل الإجتماعي.

خامساً: مرحلة ظهور ظاهرة الأنا :
وهذه الظاهرة إذا وجدت في البيوت فهي أمارة وعلامة على ذهاب ريحها وقوتها وجمال التعاون والتآلف فيها ، يتحول الزوجان إلى فردين نرجسيين يبحث كل واحد عن نفسه وما عليه إذا غرقت السفينة بمن فيها .
سادساً: مرحلة الصمت الزواجي:
وهذه الظاهرة كما يذكر الكثير من الأزواج والزوجات أنها منتشرة بينهم ، فالزوج والزوجة ربما مكثوا اليوم واليومين والثلاثة وربما الأسبوع أو الأسابيع الطوال ولا يتحدث بعضهم لبعض ، حتى في عبارة السلام ، وصول الحياة الزوجية والأسرية إلى ظاهرة الصمت الزواجي أمر خطير جدا ويجب التدخل للحل والإصلاح وإلا ذهب الأزواج والزوجات إلى المرحلة الأخطر وهي الطلاق العاطفي أو الطلاق الصامت.

سابعاً : ظاهرة الطلاق العاطفي:
كل المراحل السابقة أو بعضها قد يوصل ويؤدي إلى ظهور ظاهرة الطلاق المعنوي أو النفسي أو الصامت أو العاطفي.
وقد أشرنا آنفاً إلى مظاهر وآثار وأسباب الوصول إلى الطلاق العاطفي في البيوت .

ثامناً: الطلاق الفعلي الحقيقي:
هذه هي الحلقة الأخيرة في مراحل الطلاق العاطفي الوصول إلى الفراق والطلاق الحقيقي وربما كان بداية ضياع الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة وأفرادها.

علاج الطلاق العاطفي:

إن كانت أسباب الطلاق العاطفي في الزوج أو الزوجة أو في البيئة المحيطة بهما فعليهما :

أولاً: الجلوس للحوار والسماع من بعضهما.

ثانياً : تحديد هذه الأسباب بدقة وعمق .

ثالثاً: التفكير الإيجابي في إيجاد الحلول فيما بينهما أو طلب المساعدة من المستشار الأسري.

رابعاً: تحديد الحلول أو الحل المناسب بالاتفاق.

خامساً: تنفيذ الحلول المقترحة بالمشاركة بين الزوجين الكريمين.

سادساً: التغيير التغيير التغيير في الحياة الزوجية والأسرية.

سابعاً: التوجه إلى الله تعالى بالدعاء بالتوفيق والسداد والعون والإعانة والصلاح والبركة.

المصلح والمستشار الأسري
د.سالم بن رزيق بن عوض.

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى