كُتاب الرأي

الطريق إلى الوجدان

تصوير الحالة الشعورية لدى الإنسان أمر غير هيًن، وليس كل شخص يملك الأسلوب الأمثل في أن يعبر عما يخالطه من مشاعر. أقصد بها تلك الانطباعات والتصورات التي تختزنها النفس فتجعلها ترى الجمال من زوايا عديدة ، نعم ليس الكل يستطيع استجلاب الشعور الفاتن بسهولة.
بالتأكيد في كل منًا رابطة من المكتسبات ، واتحادٌ بين الخبرات والتجارب، مرت بنا العديد من المواقف، والكثير من الأحداث.
مَنْ منا لا يملك الإحساس!
مَن منا لا يملك حق التعبير عما يدور في داخله!
الكل يملك هذه المميزات، ولديه الصريمة الكافية، والمسوّغات المساعدة على التعبير والنطق؛ لكن هناك فئام من الناس لديهم نسبة عالية من تجسيد المشاعر، ووضعها في سَبْكٍ محسوس، يستطيع أن يوصل مشاعره للآخرين بمنهج قصير، وأسلوب رشيق.
يملك من المقومات ما يجعله سراجًا في نظر غيره.
إنّ المشاعر مملكة لها حدودها، وأطوالها، ومساحاتها، ولها أيضًا مواردها، وتشغل حيزًا، وثقلاً ؛ كالدول تمامًا.
فالقاص،والروائي ، والكاتب، والمؤلف، والشاعر، والرسام والموسيقي ، هؤلاء ملوك الإحساس، ملوك في كونهم يتميزون عن غيرهم بالعديد من الصفات، تضعهم دومًا في خانة الاهتمام، خانة التأثر والتأثير، لأنهم يلامسون في أقوالهم ما عجز الأخرون عن قوله، يتأثرون ويؤثّرون، يمتثلون ويطاع شعورهم.
إنهم يعيشون قسمًا من حياتهم يركزون فيه بصورة رمزية على مشاعر تسكنهم تبحث وتفتش عن مكان أو فرصة حتى تبرز وتظهر. تارة نجدهم يعبرون عن خيبات الأمل، وتارة أخرى يترجمون مشاعرهم في التفاؤل وأحيان يسكبونها على هيئة فن تشكيلي ، هم لا يدخرون جهدًا في التعبير عما تراه أعينهم وتقع عليه مشاعرهم ، يعيشون جزءًا من حياتهم في استماتة يدافعون عن الفضيلة، على طريقتهم الخاصة ، نظرًا لامتلاكهم آداب السلوك ؛ فالسلوكيات التي يمارسونها علنًا تعطي مؤشرًا صادقًا عمًا يمتلكون من مخزون عاطفي، أعينهم لا ترى سوى الجمال.
لطالما بقي أن نعلم ، بأن التغيير للأفضل مع هكذا فئات قيّمة يبدأ من إنصاف الأفئدة ، وحين تُنْصَف القلوب، تتحقق للمشاعر عدالتها ؛ لذا ينبغي الالتفاف حولهم والاهتمام بهم ، ورعايتهم ، لأنهم شيء يجلب الحسن ، والبهاء، وعن طريقهم ولا سواهم يتم استدعاء أعذب الكلمات ، وأبلغ العبارات، وأدق النصوص.
يجلبون المشاعر دفعة واحدة، بتفكير واضح ، على نسق رقيق ، ومهذب حتى أنك لا تقوى على مجاراتهم عندما يعبرون! تجد نفسك تُذعن لهم من غير إرادة ، وبلا مقاومة منك، وكأنك مسلوب القوة ، تائه في فلك ممالكهم الفكرية.
تقع علينا مسؤولية عالية بضرورة فهم ما يقدمون من مشاعر ليس لها أي علاقة بالماديات ، بل أنها ترتبط ارتباطًا محكمًا بصياغة الألفاظ بصورة فنية نفيسة؛ فالتعبير عندهم يُعد فنًا ، ويلخص لنا حاجتنا لما يقدمون من أعمال فنية تُلوّن الثقافة الإنسانية وتعطي جانبًا أنيقًا للذات، تلك الأناقة تخرج على رسم مشاعر وتلك المشاعر تؤازر الأفكار وتناصر الانفعالات حتى تخرج ما في النفس من ملاحة وحسن.
ختامًا/
إنّ الحروف هي أوعية المشاعر، وحين تتدفق في حضرة الاهتمامات بالروح فإننا من الصعب عُقبها أن نؤذي مشاعر الآخرين.
أخيرًا/ حتى نستحق الحرية بحق ونخرج من قوقعة السلبية، ينبغي أن نوقظ المشاعر الراقدة ،ونجلبها إلى دائرة النور قليلاً، بالتالي نسيطر على الضجيج ، ونستحضر فتنة الجمال.
آخرًا/ لا سلطة تعلو فوق سطوة الشعور ، وليس هناك أدنى شك في أنه وَحْدَهُ يُمَثّل مملكة داخلية مستقلة تعيش في خلايا الإنسان، لذا ينبغي استثمار أقصى ما يمكننا استجلابه من شعور خلاّب.
انتهى

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

‫18 تعليقات

  1. تقدير القيمة الحقيقة لهذه الفئة وإعطاءها حقها والتنوية بأهمية ذلك ولفت الأنظار لمن يستحق بالرعاية والعناية وإبراز ايجابياتهم تدل على مدى الوعي ورفعة التفكير ونبل التوجه..
    تقدير وشكر لقلمك أ علي

  2. عندما تبدأ تلك الأنامل حياكة الخيوط الرفيعة بدقة متناهية وجودة عالية قلما تجد مثيلاً لها فاعلم أنك أم لوحة فنية خطتها أنامل كاتبنا الفذ والمميز أ( علي المالكي )… سلمت أناملك المُلهمَة والمُلهِمة.🌹

  3. عندما تبدأ تلك الأنامل حياكة الخيوط الرفيعة بدقة متناهية وجودة عالية قلما تجد مثيلاً لها فاعلم أنك أم لوحة فنية خطتها أنامل كاتبنا الفذ والمميز أ( علي المالكي )… سلمت أناملك المُلهمَة والمُلهِمة.🌹

  4. إنّ الحروف هي أوعية المشاعر،

    فعلاً فعلاً الحروف هي أوعية المشاعر تتدفق وتُغدق حينما تأتي من خلال من يُتقن ويتفنن في رسمها

    _دائماً نجد هنا حرفُ عظيم_

  5. الطريق إلى الوجدان مقال آدبي رائع وبالفعل أصحاب المواهب في الشعر والموسيقى والآدب ومختلف الفنون هم أقدر الناس وأكثرهم درايةً على ملامسة الجمال وتذوقه وايصاله فهم يصنعون السعادة ويغذون الروح تمامًا مثل تذوقنا لروعة مقالاتك أستاذنا القدير أنت مبدع ورائع وصانع للجمال بكتاباتك الآدبية الراقية أنا فخور بك وبقلمك الذهبي ومتابع جيد لك واتمنى لك دوام التوفيق والتألق

  6. لاسلطة تعلو فوق سطوة الشعور… 👌
    تجسيد الحرف وتصوير الكلمة إبداع منقطع النظير.. جمييييل الطرح ممتعة جداً كلماتك👌بارك الله فكرك استاذ علي🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى