الصحة النفسية

يبقى المكون النفسي في الإنسان يصرخ بصوت عال لتلبية الاحتياجات الضرورية التي يحتاجها وإن لم تتحقق فإنه يعاني من التغيرات والتقلبات النفسية والهزات التي ربما تذهب به بعيدا بعيدا عن حقيقة دوره ومسؤولياته والمهام التي أنيطت به .
حقيقة الإنسان قبضة الطين التي تشكل الجسد والبدن والقشرة الخارجية ونفخة الروح والمدد الإلهي والنفس البشرية التي تأتي بين الطين والروح .
ولكل مكون من المكونات احتياجاته وأغذيته وعالمه الذي يدور ويحيا فيه وهو يتكامل ويتناغم مع المكونات الأخرى .
والنفس ذلك المخلوق الذي يغلب على الحقيقة البشرية المادية للإنسان أحياناً كثيرة ويستأثر بالأغذية والملذات وربما تحول من خلاله إلى الشغل الشاغل وغاية الاهتمام .
والناس في ذلك على أضرب شتى منهم المهمل المقصر في حق نفسه وصحتها وذهب كل مذهب في تغذية الجسد والجانب الفسيولوجي ومنهم
المقصر في حق البدن والعمل على تلبية المرفهات له دون نفسه وصحتها وهاتان الصورتان يصطدمان بالحقائق البيولوجية في رحلة الحياة الطويلة وينتهيان بصور مشهوهة مؤلمة من الأوجاع والأمراض والنهايات المحزنة والحزينة .
ويتعدد تقليد الناس لهاتين الصورتين البائستين على مستوى البشرية وعلى مستوى التأريخ البشري فالاحتياجات البدنية تغلب الجماهير وربما تتعبدهم فيظهرون صوراً ومسوخاً من الإنسانية المشوهة التي فقدت إنسانيتها ونفسها وحقيقة وجودها ومميزها في هذا الكون العظيم .
وكذلك إعطاء النفس البشرية كامل هواها وتلبية شهواتها ورغائبها على حساب البدن وتقديم كآفة الملاذ لها والعيش على أن ذلك من إسعادتها وسعادتها أيضاً هو في الحقيقة هبوط من لون آخر يذهب بالنفس
والبدن إلى جحيم الأهواء والشهوات والحياة القاحلة
والسير في طريق السراب الذي يحسبه الظمآن حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .
وما العناء والتعب والكدح وتسلط الأهواء والشهوات ونضوب إنسانية الإنسان إلا مظهراً من مظاهر فقدان التوازن بين توفير احتياجات النفس على حساب البدن أو توفير احتياجات البدن والجسد على حساب احتياجات النفس وهكذا ترى البشرية في شقاء مستمر بين طرفي نقيض ولا تكاد تجد سرورها و سعادتها التي خلقت من أجلها إلا بركوب حماقاتها والجنوح تارة ذات اليمين وتارات ذات اليسار.
لذا كان هناك نموج مختلف متمايز عن النموذجين وهو نموذج التوازن في تلبية الاحتياجات والضروريات للنفس والبدن والعاقل الكيس الفطن هو من يختاره.
وتبقى هناك جملة أو عدداً من العوامل التي تؤثر سلباً أو إيجاباً في صحة الإنسان النفسية
ومن تلك العوامل المؤثرة :
أولاً: الطبيعة النفسية والمزاجية للإنسان:
كلما كانت الطبيعة النفسية والمزاجية للإنسان طبيعية فطرية إنسانية سليمة في تكوينها وصياغتها وتركيبها كلما كانت إيجابية صحية في نموها وتطورها ، وينتظر منها تكوين شخصية متزنة إيجابية ؛ وكلما كانت سلبية من طبيعتها وتقبلها كانت قابلة هذه النفس للإضطرابات والمشكلات النفسية والاجتماعية المختلفة والمتباينة.
ثانياً: تربية الأسرة الكريمة والعائلة الحبيبة:
لا شك أن أدوار ومهام ومسؤوليات الأسر والعوائل في تشكيل وتكوين شخصيات وأنماط أولادهم من البنات والبنين مهمة جدا ، ومن خلال تلك المهام والمسؤوليات والأدوار يمكن تشكيل وتكوين الشخصيات السامة المضطرة والشخصيات السليمة في الصحة النفسية .
فالآباء والأمهات والمربين والمربيات الذين يغلب على تعاملهم العنف بأنواعه ؛ والقسوة والرهبة يظهر ذلك في سلوكيات الأولاد وتعليمهم. والعكس صحيح كلما كان الآباء والأمهات يربون أولادهم على الحب والمحبة والرأفة والرحمة والمودة يظهر ذلك عليهم .
ثالثاً: دَور دُور التعليم والإعلام :
تظهر الآثار السلبية والإيجابية في الصحة النفسية على الأولاد والبنات في تربيتهم وتهذيبهم وتعليمهم وسلامتهم وقوتهم ومقدرتهم على صياغة مستقبلهم .
رابعاً : دور الصحبة والرفقة :
وهي من العوامل المؤثرة في التشكيل والتكوين للجانب والمجال النفسي ، من الناحية الإيجابية أو السلبية .
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض