كُتاب الرأي

الصبر من أجل الإصلاح

 

 

الصبر من أجل الإصلاح

يقال لقد أصلح الزجّاج ما أفسده نظيره ، لكن يداه تمزقتا بسبب حواف الزجاج المسنونة التي خلّفها وراءه ذلك المتهور ، وأنّ الحداد المخلص عمل على ترميم القواعد المكسورة التي دمرها من سبقه لكنه أصيب بجروح وتسلخات عديدة ، أما البنّاء الأمين فقد أصلح ما أعطبته يد بنّاء مهمل لكنها كلفته وقتًا وجهدًا تخطى المعقول.
أما ذلك الطبيب النقي فقد استعاد- بفضل الله- أنفاس مريض كانت حياته مهددة بالخطر بسبب خطأ طبي سبقه به طبيب متخاذل فأطفأ بمهنيته خطورة الحالة، لكنها كلفته جهدًا بدنيًّا وذهنيًّا واسعًا!
وهذاك المعلم المتفاني وتلك المعلمة الوفية عالجوا أخطاء من سبقهم فاستخدموا مناشط حديثة وأساليب جديدة في معالجة الفاقد التعليمي لدى أبنائهم الطلاب لكنها كلفتهم أموالاً، وأدوات، ووسائل تعليمية، وطرقًا وبدائل تربوية.
تلك العبارات ليست مستوحاه من وحي الخيال ،هي عبارات واقعية تحكي يوميات الناس ومواقفهم في معالجة الأخطاء وإصلاح ما أسِن وأختلت أصوله عند غيرهم .
الحقيقة هي عبارات تحكي واقع من يريد الإصلاح، من يرغب في تغيير قواعد الحياة وتحويلها من تقليدية قديمة إلى عصرية حديثة، ومن ضعيفة باهتة، إلى قوية جسورة.
إن الحرفيين الذين يستندون في عملهم إلى مهاراتهم الذهنية واليدوية والمهنيين الذين يعتمدون على دراساتهم الأكاديمية والمهندسين ، وعمال المصانع والعاملون في خطوط الإمداد والإنتاج ، والصنّاع والزرّاع الذين يستشعرون ثقل الأمانة تمر بهم وقائع كثيرة يعملون جاهدين على إصلاح ما أتلفه غيرهم ويتحملون جهدًا مضاعفًا فوق طاقاتهم لإرضاء الله أولاً وآخرًا، وإرضاء ضمائرهم، والعمل ثم العمل من أجل استقامة شؤونهم واعتدال أمور الآخرين، وتحقق العدل في كل مصلحة يعملون فيها، وعليهم يقع أيضا الحمل في الصبر على الهجوم والعداء الذي يمكن أن يطالهم في شخصياتهم من قبل أصحاب الفكر المقاوم.
يقول الدكتور غازي القصيبي- رحمه الله- الذي يريد الإصلاح يجب أن يتحمل العداوات، يجب أن يهيئ نفسه لعداء كبير ، يتهيأ للهجوم، وانقضاض أعداء التغيير عليه، يتعين عليه ألا يواجه المشكلات بشكل شخصي بل يهاجمها من أجل مصلحة العموم.
ونحن من هذه المنطلقات وتلك الإرشادات نقول:
أنّ من يريد التعديل ، ورتق وترقيع الشق الممزق ،عليه أن يتحمل ضريبة صدقه ، وأمانته، ووفائه، وإخلاصه.
عليه أن يشتغل على التصحيح ، والتعديل ، والتثقيف ، والتأديب ، والتربية ، والمحاسبة ، عليه أن يهتم بالتقويم والسعي لإثبات الرغبة في التهذيب، عليه أن يتحمل المناهضات، والمنازعات،ويواجه أساليب الممانعة بالتعليم والتدريب والاشتغال على النفس، عليه أن يقاتل ويناضل من أجل الوصول إلى الغايات التي رسمها ليستفيد منها الجميع ويتحقق عن طريقها المستقبل.
بالتأكيد فإنّ الذود ،والمواجهة، والمدافعة،من أجل الإصلاح والتغيير وإرساء قواعد جيدة تعين على جبر الخطأ، وسد وإغلاق باب الفوضى ، وتدعيم أصول النجاح ، والانتقال إلى مراحل متقدمة من الانتصار، والازدهار، والنمو تعد ضرورة ينبغي استخدامها لتنظيم شؤون الآخرين وقيادتهم نحو الرخاء والاستقرار ، والاستمرارية في دعم عوامل الظفر واعتلاء سلالم الفوز، والإنجاز،ثم إنه يتعين على العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين والرأي وفي الأخلاق والآداب فيجمعها في صدره ثم يعرضها على نفسه ، ويكلفها إصلاحه وتهذيبه فالصالحون يبنون أنفسهم والمصلحون يبنون المجتمعات.
انتهى

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

‫2 تعليقات

  1. موضوع شيق ومهم تطرقت لقيمة عظيمة متى ما تحلى بها الفرد لامس أثرها في نفسه وعلى مجتمعه(ما أجمل الصبر في سبيل الوصول والإرتقاء وتحقيق الغايات) إبداااااع منقطع النظير
    تحقق الجمال ووصلت الفكرة (الصالحون يبنون انفسهم والمصلحون يبنون المجتمعات….. ماأعمقها👌👌👌زادك الله من فضله أستاذ علي👍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى