نادي القصة

الشر جرح .. دواءه الرحمة

 

 

رحمه حمد

الشر جرح .. دواءه الرحمة

 

كانت تحب أن تقرأ لأطفالها، وفي يومٍ من الأيام اشترت مجموعةً من قصص الأطفال. وضعتها على الطاولة بجانب طفلها، الذي أخذ يتفحصها باهتمامٍ ويتأمَّل أغلفتها الملونة والجميلة اللافتة: بعضها يحمل صورًا للحيوانات، وأخرى صورًا لأشخاصٍ بملابس تدل على عصورٍ وحقبات مختلفة من التاريخ، وبعضها يحمل صورًا لمناظر طبيعية.

مدَّ الطفل يده إلى الكتاب الأخير، وكان كتاب “بيت الحلوى”. قلب غلافه الثقيل بفضولٍ، فظهرت له صورة الساحرة العجوز. توقفت أنفاسه للحظة، بينما كانت عيناه تتبعان تفاصيل وجهها المُجعَّد: أنفٌ معقوف كمنقار البومة، وعينان غائرتان تختبئ خلفهما نظرة حادة. رفع الكتاب قليلًا نحو الضوء، فتألقت أظافرها الطويلة المنحنية كالمخالب تمسك مكنسةً قديمة، بينما بدا الفأر الرمادي في يدها الأخرى وكأنه ينظر إليه متوسلًا ليساعده على الفرار. لمس الغلاف، متحسسًا يدها الخشنةَ، وأصابعها المقوَّسة. وبحركةٍ لا إراديةٍ منه، سحب يده بسرعةٍ إلى صدره، وكأنما أحسَّ بخشونة يدها تحت يده الناعمة.

لاحظ خصلاتٍ من شعرها الأشيب تتطاير حول وجهها، تعبث بها الريح من النافذة خلفها. فأعاد يده الصغيرة على الكتاب ليغلق بها النافذة، ونظر إلى فمها المبتسم الذي يكشف عن بعض الأسنان المفقودة.

وكان الطفل مستغرقًا في تأمُّلِ هذه الصورة عندما سألته أمه:

– “أتعرف من هي؟”

أجاب الصغير بالنفي، فردت عليه أمه قائلةً:

– “إنها ساحرة شريرة. أتعرِف معنى ساحرة؟”

هزَّ رأسه بالنفي، بينما تذكرت شعورها وهي طفلةٌ بالخوف، حيث ارتبطت قصص الشر التي كانت تسمعها بالساحرات. فأجابته:

– “إنها تعمل أشياء خبيثة لتجعل الناس يخدمونها؛ هي تؤذي الناس، ولا أحد يحبها.”

سألها:

– “هل لها عائلة تعيش معها؟”

أجابت الأم بالنفي.

عاد الصغير ليحدق من جديدٍ في هذه الصورة، وبعد برهةٍ من الزمن قال لأمه:

– “أمي، إنها مسكينة!”

نظرت الأم بدهشةٍ وسألته:

– “لماذا؟”

فقال لها:

– “إنها عجوزٌ جدًا، وشكلها مريض، فأصابعها متقوَّسة مثل أصابع جدتي صفية، ولا بد أنها تؤلمها مثلها. ولو أن لها ابنةٌ تعيش معها، لكانت قصَّت لها أظافرها، وغسلت لها ثيابها، ومشطت لها شعرها كما تفعل خالتي منى مع جدتي. حتى إنها فقيرة يا أمي؛ ليس لديها المال لتركيب أسنان مثل جدتي. وهذا الفأر في يدها، ربما أمسكته لتتحدث معه؛ فهي وحيدة. ربما لو أشفق عليها الناس وساعدوها، ما كانت لتؤذي أحدًا منهم.”

حدَّقت الأم بطفلها تفكر بصمتٍ طويل. وجالت بها الذكرى إلى تلك العجوز اليائسة في القرية، التي اتُّهمت بعمل السحر لاستعادة زوجها، ولا تزال منبوذةً تعيش في طرف القرية وحدها إلى الآن، رغم ضعفها وفقرها… فالناس لا تنسى. ثم قالت له وعيناها تلمعان:

– “ربما… قد يكون ما تقوله صحيحًا؛ فبعض الأشرار كان ينقصهم الرحمة والرِّفق ممن حولهم قبل أن يصبحوا أشرارًا…”

غرقت الأم في أفكارها، وكانت تحدث نفسها متسائلةً:

هل تتفوق البراءة على العقول الناقدة وتلتمس الأعذار بدلًا من إطلاق الأحكام؟

هل الفقر، والخوف، والقسوة، والإهمال، والوحدة، تحوِّل الطيبين إلى أشرار؟

هل نحتاج إلى الرحمة لنعيش في مجتمعات أكثر أمنًا وسلامًا؟

وأعادها صوت طفلها يطلب منها قراءة قصة الساحرة، فأجابته بأنه قد قرأها للتو؛ فهي بالفعل كما رواها. وقرَّرت أن تدقق جيدًا في الصور الموجودة على أغلفة القصص التي تختارها لأبنائها. ثم سألته بحماسٍ:

– “صغيري، هل تود مساعدتي في جمع بعض الطعام والأغراض لعجوز وحيدة، كانت يومًا ساحرةً لكنها تابت وتغيَّرت؟”

فرد قائلًا:

– “بالطبع يا أمي…”

هَمْهَمَتْ قائلةً:

– “الله يغفر ويرحم ويتوب… والناس لا يفعلون.”

كاتبة رأي وقاصة 

رحمه حمد

كاتبة رأي

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى