كُتاب الرأي

السيطرة على الحياة وقاعدة ( 10 / 90 )

د. سالم بن رزيق بن عوض

السيطرة على الحياة وقاعدة

( 10 / 90 )

تأتي الحياة  اليومية بأزمانها المختلفة والمتباينة المتعلقة بالظروف  والمتغيرات التي تحدث  فيها ! من الصحة والعافية والعمل الدؤوب  ،  والصناعة والزراعة والتجارة والأفراح والأتراح  ، والأحداث والوقائع والآلام والأحزان والسعادة والأمل والحبور والسكينة والراحة والسلامة والاستقرار.
الأحداث والوقائع الحياتية اليومية  تقع على الناس جميعاً  !  أو  ربما   هي التي   تأخذ  الناس  إلى  بطونها  وأوديتها وبحارها ومحيطاتها  المختلفة والمتباينة  شرقاً وغرباً ، وشمالاً وجنوباً   ،  وهي  التي تصنعهم  وتفرزهم  ! وربما  أخرجت  منهم  الأسوأ  أو  الأجمل والأفضل والأحسن والأجود والأقوى في سبيل  حياتهم  اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية!
في  مراحل  التعليم والتعلم والتنشئة والتربية يسيطر على الشباب والشابات الاهتمام بالدراسة والتفوق والنجاح  والحصول على الشهادات  العلمية والأدبية الجامعية،  والتخرج إلى أسواق العمل  الحقيقي   في  الحياة  الإنسانية الجميلة الواعدة والملئية بالجديد المفيد ، وكذلك   المليئة بالتحديات والصعوبات والعقبات التي علي أن  يتعامل  معها جميعاً !
وينطلق الإنسان  في بحار  الحياة  الإنسانية الجميلة ومحيطاتها  ، وهو  مجهزٌ ومُعد  بالعلوم  والمعارف والمهارات الحياتية الأساسية والضرورية التي  تساعده  على  الفهم  والوعي والإدراك والعمل  والدؤوب والفوز والفلاح  فيها !
ربما   يظن  هو  – بسبب  النجاحات والمكاسب والأرباح- أن  الحياة  الإنسانية الجميلة تحت  السيطرة وأنه  القادر  على  التحكم  في  جميع  الأحداث والوقائع التي  تحيط  به  ! وأن  لديه   القدرات والطاقات والمواهب والملكات العالية الخارقة  في التعامل  والتفاعل مع  جميع   الظروف والأحداث والضغوط المختلفة وأن الفوز والظفر والنجاح هو الصاحب والحليف الدائم والمستمر في  الحياة الإنسانية  !.
وربما   يظن  – بسبب  الإخفاقات والفشل  والإنكسارات- أن  ظروف  الحياة الإنسانية  كلها  خارج  السيطرة  وخارج التحكم  بالنسبة له  هو  !  وأنه  مهما    عمل  واجتهد وثابر وبذل  فالنتيجة واحدة  لا  تتغير  ولا  تتبدل  ! وهي  الإخفاق والفشل وعدم  تحقيق  الإنجاز والنتائج المطلوبة  في كل  مجالات الحياة المختلفة!
الصورتان السابقتان  متطرفتان !   وبعيدتان  عن  المفهوم الحقيقي والصحيح للحياة  ؛ فالحياة  بطبيعتها  قد  تعطي  تلك  النتائج  والمخرجات  ولكن  العبرة والعظة والفوائد  في الفهم للمدخلات  والعمليات  والمخرجات ، وكذلك  الفهم والوعي بالحياة وبالقوانين   والسنن التي  تديرها   ! ورسم  التصورات والأفكار والقناعات السليمة عليها    !.
إن الإنسان  مخلوق جميل ورائع وهو  يتفاعل مع  الحياة والظروف  المحيطة به ؛  بما   يعود  عليه  بالأمن والأمان والنفع والخير  والبركة والفائدة القريبة  ؛ وهو  كذلك  يبذل جميع  الأسباب والمبررات التي  توصله إلى تحقيق الأهداف والمقاصد والإنجازات  ! ويعلم  يقيناً أن القوة التي  يملكها  هو  القيام  ببذل الأسباب  والتوكل  على  المسبب الحقيقي !
إن  الاعتقاد  أن  الإنسان  لديه القدرة والقوة والملكة على  السيطرة  على كل  شيء  يدور  حوله  ؛ وخصوصاً التفاصيل من  حياته اليومية والزوجية والأسرية والعملية والمجتمعية إعتقاد  خاطئ  !  بل  ضرب  من  الخيال أحياناً!  إنه في  العالم الداخلي  لجسمه الجميل المبارك  !  لا  يستطيع السيطرة والتحكم حتى  في نبضات قلبه !  ولا سرعة الدم  في عروقه  !  ولا  في  تنفسه !  ولا   في  ضغطه  ودرجة حرارته  !
فكيف  في  المتغيرات والأحداث والأفكار والقناعات في أسرته الكريمة وعائلته المحترمة وفريق عمله  والعالم  الكبير ؟
إن  القدرات  والطاقات والمواهب والملكات التي يملكها  الإنسان الحقيقي  !  لا  تمكنه من  السيطرة والتحكم في شؤونه الحياتية   الأساسية والضرورية  إلا   نسبة  لا  تتجاوز  (10 %  ) ! من  بذل  الجهود الأسباب والمبررات والبقية ( 90 % )  تخضع  لتوفيق الله تعالى   وحسن  الظن  به والإعتماد والتوكل  عليه  ؛  وهو  الطرف الآخر الذي هو  بيد الله تعالى   في كل  شؤون الحياة الدنيا الجميلة!.
إن  زعم  ودعوى  السيطرة والتحكم في كل  الظروف والأحداث والضغوط المختلفة والمتباينة  خارج عن الإرادة الإنسانية الجميلة الطيبة ! وهي  دعوى باطلة وغير  حقيقية! والحقيقية هي بذل الجهود والطاقات والقدرات والمواهب والأسباب فيما يقدر  عليه الإنسان  ؛ وتفويض  الباقي  لله تعالى القادر والقدير والمقتدر ! وقبول  كل  ما  يأتي من الله تعالى  وهو الخير والفضل والصلاح والبركة والتوفيق والسداد   كله .
لذلك  ما  يبذله الآباء والأمهات والمربين والمربيات للأولاد من البنين والبنات   في  التربية والتنشئة والتعليم  والتقويم  والتهذيب السليم   يدخل في (10 % ) والبقية  بيد  الله تعالى.
فما يبذله  الأزواج الأفاضل للزوجات  ! وما  تبذله الزوجات الكريمات  للأزواج   ! وهو  وسعهم  وطاقاتهم  وما  يستطيعون  القيام  به  من  الحقوق والواجبات والتكاليف الحياتية.
فالقيام  بالواجبات والمهام والمسؤوليات والأدوار المنوطة بالإنسان  تجاه  نفسه وأسرته ومجتمعه   مطلب فطري إنساني ديني ودنيوي ؛  وعليه  القبول والتقبل للنتائج  مهما  كانت   تلك  النتائج والمخرجات  والعودة  الدائمة  إلى  المحاولة والإصلاح  والمراجعة المستمرة والاعتماد  والتوكل  على  الله  تعالى  في  كل  شيء  .
وصدق  شاعر  العربية الكبير أبو الطيب المتنبي رحمه الله تعالى رحمة   واسعة  :
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
              فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ
        كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ !
مصلح ومستشار أسري

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى