السرطان الخبيث

السرطان الخبيث
عندما يأتيك أحدهم بخبر صحيح، ولكن يضيف عليه بعض المحسنات اللفظية ، ثم ينتقل إلى آخرين يروي لهم نفس الرواية التي قالها لك ولكن يزيد عليها- أيضا- على سبيل التهويل، ثم يتبعثر الخبر هنا وهناك رغبة في تضخيم وتعظيم الموقف؛ فينمو ويتمدد ، حتى تسمع به الدنيا بأكملها. هذا النوع من الجنس اللفظي يسمى الإشاعة. إلى هنا يمكن أن يكون الأذى أقل شأنًا مع هذا الجنس اللفظي رغم أثره العكسي على المدى القريب وأيضا البعيد، لكن يمكن التماس العذر لهذا النوع في أوقات ضيقة بصورة اضطرارية لا مفر منها كأوقات الأزمات والمشكلات والحروب وأيضا وقت الكوارث، والأمراض الوبائية -وقانا الله شرورها – أقول: يمكن أن نلتمس العذر لهذا النوع في حدود ضيقة للغاية رغم الاعتراض الشديد على هذا المبدأ ؛ ولأننا نعلم خطر الحروب والأزمات – كفانا الله شرورها- وأنه لا صديق لها ولا صاحب حيث تكثر فيها التجاوزات ويظهر المتنفعين، وتتبدل الولاءات وتُشترى الذمم نوافق قسريًّا على استعمالها لغرض تشتيت العدو ، أو لدعم خطط تكتيكية رغبة في التغلب على العملاء والمصادر المزروعة ، أو للإبقاء على الطمأنينة والاستقرار لأفراد المجتمع والحرص على عدم بث الذعر أو الخوف والرهبة في نفوسهم.
هذه تعد خطط ناجحة بنسب عالية إنما ليس هذا موضوعنا، موضوعنا هو : الشائعة
الشائعة: اعلموا وفقكم الله أن استقرار حياتنا الاجتماعية مرهون بتوفر الهدوء والمحافظة على الأمن الفكري وهذا الهدوء لا يتأتى إلا بالسيطرة على إغلاق باب الشائعات ولكن الملاحظ أن حياتنا الاجتماعية ينتشر فيها هذا المرض الخبيث إنه أشد وأنكى من سابقه
فالشائعة أشد وقعًا، وأكثر إيلامًا ، لا أساس لها ولا منبت بل يتم اختلاقها من العدم وتأتي إما مكتوبة أو منطوقة وأكثرها يأتي لفظيًّا ، إنها مدمر لكل شيء ، مدمرة للعلاقات ، ومفتتة للأواصر، هذا النوع من السلوكيات يشابه تمامًا مرض السرطان كلما ذهبت لتستأصله نتأ لك من مكان آخر ، أقول يتم اختلاقها ، وإيجاد عناصرها من العدم ، فهي تخرج بقصد إلحاق الضرر بالآخرين وزيادة الحقد وبث سموم الكراهية،ونقل رياح البغض في صلب المجتمعات ، يساعد في انتشارها أنه يتم تناولها بحسن نية من البعض وهو لا يعلم خطرها ولا غاية صاحبها، أو ربما البحث عن الشهرة كما يحصل من البعض في وسائل التواصل الاجتماعي ، دون التثبت من صحتها.
بالتالي نرى ونلمس تأثير الشائعة على الأفراد المستهدفين وعلى سمعتهم، ومكانتهم، وتعاملاتهم مع بعضهم البعض ويتعدى ذلك حتى يصل للمجتمع ، يتم عن طريقها ضرب القيم والمبادئ، واستباحة الأخلاق وضياع الحقوق ، وهدم الثوابت، وتدمير جسور التربية ، وأساسات السمعة كل ذلك يغذيه الحقد والكراهيةوالأنفس الممتلئة بالبغض والذمم الواسعة.
اعلموا جيدًا أنّ العلاقات الاجتماعية هي السد المنيع والحصن المحصّن لكل مجتمع فلمّا يحصل ثقب في جسد هذا السد فإن الحياة بأكملها ستكون كحبات الدقيق التي تُنثر على الأشواك ، بربكم ! كيف لنا بعدها أن نجمع شتات تلك الحبات بعد أن تتناثر في كل مكان ، وتسوقها الرياح هنا وهناك!!
الشائعة تضيع السمعة ، وترهق النفوس، وتستبيح الأعراض، وتجيز الحرام ، وتحبب المكروه.وتقتل كل شيء جميل ، لأنها تتجاوز كافة الأعراف ، وجميع الثوابت، بل أنها تتعدى على قواعد القيم النفعية والاجتماعية والنفسية والمعرفية للأفراد والمجتمعات على حد سواء؛ حتى أنها تصل للعمق فتضرب الأفكار.
آخرًا:
إننا نعيش مرحلة الانفتاح المعرفي والتقني عصر فيه المخاطر تحيط بنا من كل جانب ، عصر الانفتاح على الرأسمالية التي لا تعترف بالقيم، عصر أدواته متوفرة، وعناصره جاهزة ، الناس فيه يلهثون وراء مصالحهم، وحين تطل المصالح برأسها فاعلم أنك تمكنت من ثوابت وقيم المجتمع، لذلك كله فالواجب علينا أن نعمل باستمرار على التوعية والثقيف من خطر الشائعات ، ولتكن المدارس ووحدات الوعي الفكري، والجامعات ودور العلم هي المنطلق الأول للسيطرة على هذه الآفة الخطيرة، وليكن التركيز في الأبحاث المتخصصة على كيفية القضاء على هذا المرض الخبيث.
انتهى
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي
بارك الله طرحك استاذنا الفاضل
فعلا هي كما نشرت فعلا
وقانا الله هذا الشر المتفشي
أسعدني مرورك د/شقراء
تبقى كلماتك لها طابعها الجميل الذي يبعث في النفس الحماس.
أنت شاعرة ملهمة.
لافض فوك 👍
للأسف الإشاعات تكثر عند النساء أكثر من الرجال وعند الأغبياء أكثر من الأذكياء وعند الأشخاص الأقل ثقافة وعند المجتمعات الأقل علما وثقافة …
ولقد حذر القرآن من الإشاعة كثيرا كما في قصة الإفك ،
وكذلك أيضا في الحروب كما في قوله تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ )
شكرا جزيلا لك ، أستاذ علي ، على اختيارك لهذا الموضوع المهم جدا ،
، والكاتب المبدع هو من يعرف كيف ينتقي المحتوى المناسب ، من أجل خدمة مجتمعه ونفعهم ، لا من أجل الكتابة والظهور فقط .
أهنئك 👏👏
أهلاً أهلاً بالكاتبة المبدعة.
شرفني مرورك.
عرفتك ملهمة.