كُتاب الرأي

نسائم الهجرة بين الأمس واليوم

 

د. أميرة محمد
من المعروف أن العام ينقسم إلى أيام، وأشهر، وفصول، وكلن منها له مسماه الخاص به سواء الأيام، أو الشهور، واخيراً الفصول، ولكني اثرت الحديث عن فصول السنة، فتلك الفصول كلن منها له سماته الخاصة، بحيث أنه لا يوجد فصل يشبه الأخر، وهذا في حد ذاته دليل على القدرة الإلهية، ولو أردنا الحديث عن أحد فصول السنة، وبالتحديد فصل الصيف فالصيف هو أحد فصول السنة الأطول والأبرز، ففي هذا الفصل يشوب الجو ارتفاع عالي في درجات الحرارة، مما يجعل النسمات القليلة التي تهب من حين لأخر، من أجمل ما يشعر به المرء خلال فصل الصيف.
والحقيقة التي ربما قد يجهلها الكثيرون، هي أن النسائم الصيفية ليست قاصرة فقط على فصل الصيف، إذ توجد نسائم صيفية بين طيات أحداث التاريخ وخاصة التاريخ الاسلامي، تلك التي قد ملئت ولازالت تملأ نسماته أجواء العالم الملتهب لطفاً، ولقد حظيت بلاد الحجاز بأعظم النسمات التي قد هبت على الأرض، وذلك بقدوم خير المرسلين وخاتم النبيين الذي ارسله الله رحمة للعالمين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، فبقدومه عرف العالم عامة وبلاد الحجاز خاصة المعنى الحقيقي للنسائم الإلهية، تلك التي حولت بلاد الحجاز ومن حولها إلى جنة يهب نسيم ريحها الطيب لينقي العالم بأثره من الشوائب والظلمات.
ونحن على أبواب استقبال عام هجري جديد، تتبادر إلى اذهاننا النسائم المحمدية، تلك التي جعلت المسلمون الأوائل يقاسون ويتحملون مختلف أنواع العذاب؛ وذلك لأنهم ذاقوا معنى النسائم الحقيقية تلك التي جعلت من بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي أناس لهم نفس القدر الذي يتمتع به الاحرار ، ولم يقتصر وجود النسائم على مكة فحسب، بل انتقلت النسائم مهاجرة إلى المدينة بهجرة الصحابة إليها، وازدادت النسائم بقدوم المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وذلك في العام الثالث عشر من البعثة، فباتت المدينة مركزا أخر بعد المركز الأول الذي سرعان ما عاد لقبضة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وباتتا مكة والمدينة المنورة مركزين لانتشار النسائم الإلهية إلى العالم حتى وصلت، هذه النسائم إلى اكبر قوتين في ذلك الوقت وهما: الفرس والروم؛ لتطفأ لهيب الظلم والجهل بهما، وتبدله بنسائم العدل والحرية.
فهل ما يحدث من محاولات لمنع انتشار هذه النسائم؛ وذلك بتمزيق أراضي المسلمين وتهجير شعوبهم يعني بالفعل أن النسائم الإلهية قد تم حصارها؟، الجواب هنا هو لا وألف لا فلابد للمهاجر أن يعود وللعدل أن يسود وللظلم أن يذبل ولا يعود.
؛ فها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يرسخ ويؤكد قواعد حقوق الإنسان منذ قدومه، فبمجيئه (صلى الله عليه وسلم) عرفت للرحمة مكان، وللفضيلة عنوان إنها بختم خير الأنام سيدنا المصطفى (عليه الصلاة والسلام)، فلم يسمح في عهده ولا عهد صحابته بتهجير الشعوب باستثناء يهود المدينة وذلك بعد تماديهم ونشرهم للفتن مرارا، فالإسلام كان ولازال الميثاق الحقيقي والفعلي الوحيد، الذي ارسى قواعد حقوق الانسان، والهجرة هي الصورة الاعمق والأكثر وضوحا لهذا الميثاق، فليحفظ الله بلاد الإسلام وذلك باستمرار انبعاث نسمات السلام من قلب بلاد الحرمين الشريفين تحت القيادة الراشدة لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.

د. أميرة محمد علي

اكاديمية _ وكاتبة صحيفية _ واديبة مصرية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
الذهاب إلى الواتساب
1
م حبا أنا سكرتير رئيس التحرير
مرحبًا أنا سكرتير رئيس التحرير وأنا هنا لمساعدتك.