كُتاب الرأي

الذكاء الاصطناعي للبناء أو الهدم

الذكاء الاصطناعي للبناء أو الهدم

مشعل الحارثي

منذ عملي بجامعة جدة وقبل مايقارب عشر سنوات تداولت الجامعة انذاك مصطلح الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وغيرها من التخصصات لتتماشى خطط الجامعة وبرامجها مع رؤية المملكة الطموحة ٢٠٣٠ وكأول جامعة سعودية بادرت وعملت على ادراج هذا التخصصات ضمن مناهجها الجامعية إيمانا منها بأهمية هذا العلم الجديد وما ينتظره من مستقبل كبير وحرصا على مواكبة هذا التطور واللحاق بالركب والاستعداد المبكر له ،ولتأتي وزارة التعليم ومع حلول العام الدراسي الجديد ١٤٤٧ه لتدرج هذا العلم ضمن مختلف مراحل التعليم العام .
لقد اعادتني هذه الخطوة الهامة والنقلة النوعية لوزارة التعليم لتلك الاعوام السابقة في الجامعة وما كان يثور في نفسي وقتها من تساؤلات بعد أن علمت من الزملاء المتخصصين في هذا المجال بكلية الحاسبات الكثير من جوانبه وابعاده وأنه يعتبر سلاح ذو حدين يمكن استخدامه وتسخيره كيفما شئت، وله وجهان، الأول إيجابي يتيح استخدامه فى خدمة البشر وتنمية المجتمعات ورفاهيتها وسرعة الإنجاز ، بينما الثاني سلبى من خلال إمكانية توظيفه لارتكاب بعض الجرائم وافساد حياة البشرية .
وفي السنوات الاخيرة لعل الجميع تابع وشاهد تلك التطورات والقفزات المذهلة للذكاء الاصطناعى وهو ما أثار لدي تلك التساؤلات من جديد وفي مقدمتها هل الذكاء الاصطناعي صديق أم عدو للإنسان؟! وهل سوف يحكمنا ونصبح تحت رحمته وأسرى له ؟! هل سينقذ البشر ويسعدهم ويكون عونا لهم في تسهيل الكثير من شؤونهم؟! أم سيوردهم المخاطر و المهالك ؟! ويصبح معول هدم لا بناء ؟! وكيف يمكن التغلب على مخاطره؟
لقد كنا فى الماضي نقول إن جهاز الكمبيوتر أغبى جهاز فى العالم، لأنه ينتظر الأوامر التي تحددها أنت له، لكن الذكاء الاصطناعي الغى هذه الفكرة، وأصبح هو من يفكر لك ويتعامل معك طبقا لحلول وسيناريوهات تم إعدادها مسبقا ليتعامل مع جميع المواقف وتصرفات البشر، ولعل المشكلة الأساسية تكمن هنا في إساءة استخدام أى تكنولوجيا جديدة، والعبث في جوانبها السلبية وهو الجانب الشرير في الأمر ..
إن الخطورة في الذكاء الاصطناعي ليس في كونه آلة مجردة من الحياة تحتوي على كم لايقدر من البيانات ولكن الخطورة أنه ليس له دوافع أو أسباب لما يفعله
ولذلك لايمكن التنبوء بتصرفاته فهو من ناحية ليس إنسان ألي له دوافع خفية ،ومن ناحية أخرى لايعتبر مكنة آلية تفعل ما تؤمر به ، وأمام هذا الوضع المحير خرجت الكثير من الدعوات الدولية تطالب الحكومات العالمية بوضع اطار أخلاقي يحكمه تفاديا للأثار السلبية التي ستعم العالم .
وقد سبق لكل من إيريك برينجو لفسون أستاذ الإدارة في جامعة سلون، وأندرو ماكافى الباحث في مركز الأعمال الرقمية أن كشفا خطورة هذا الأمر في كتابهما
«عصر الآلة الثاني»، وقالوا:أن العالم قد دخل مرحلة جديدة من التقدم حيث ستحل الآلات الذكية محل الذكاء البشرى بل وتتفوق عليه لذلك يدعوان إلى إعادة التفكير في تداعيات التطور المتسارع للذكاءالاصطناعى على المجتمع والاقتصاد من مختلف الجهات المعنية .
ومن المخاوف المطروحة من الذكاء الاصطناعي، حيث تعمل هذه التقنية عن طريق جمع البيانات وتحليلها بشكل يفوق العقل البشرى, وقد تم تطويره ليصبح قادرا على تطوير نفسه وتحليل البيانات وتطوير شبكةعصبية يمكن من خلالها تحليل البيانات ورموزالحاسوب ومحاكاة العقل البشرى بشكل يفوق كل توقعاتنا وبذلك قد يتمكن في المستقبل من القضاء على العديد من الوظائف التي كان يقوم بها الإنسان، ففي دراسة أجرتها شركة “برايس واتر هاوس” أشارت إلى أنه بحلول عام ٢٠٣٠م سيشغل الإنسان الآلى نسبة (٣٨) في المائة من الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية، كما سيشغل الإنسان الآلي( ۳۰) في المائة من الوظائف فى بريطانيا، و (٣٥ ) في المائة من الوظائف فى ألمانيا ، و( ۲۱) في المائة من الوظائف فى اليابان.
وذكر تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي بأن استخدام الروبوت بدلا من الإنسان سيؤدي إلى خسارة أكثر من ( ٥) ملايين وظيفة في( ١٥ ) دولة متقدمة،وتشير دراسة أخرى أجرتها منظمة العمل الدولية أنه يمكن أن يؤدى سباق التسلح بين كبرى دول العالم إلى دفع هذه الدول لتصميم أسلحة يصعب إيقافها مما ينتج عنه كارثة حقيقية.
ومن المخاوف أيضا التي أثيرت حول مخاطر الذكاء الاصطناعي هو استخدامه في تقنية «Deepfakes» وهي تزييف الواقع حيث تعمل هذه التقنية عن طريق أدوات الذكاء الاصططناعي التي تمكنها من تغيير الوجوه فى أى فيديو لتضع وجه شخص آخر وعادة ما تستخدم فى الأفلام، ولكن هناك وسائل للتعرف إذا ما كان هذا الفيديو مزيفا أم حقيقيا لكن مع التطور التكنولوجي قد يأتي وقت ولن تكون هناك أي تكنولوجيا قادرة على معرفة ماهو مزيف أو حقيقي .
وبلا أدنى شك أننا نقف اليوم أمام تحدي كبير لايخص فرد دون آخر وإنما العالم بأسره، وهنا يثور السؤال الأهم ترى أين الحماية من هذه المخاوف للذكاء الاصطناعى التي تمتد الى الجوانب الاقتصادية والأمنية والأخلاقية ؟ فتاتي الإجابة لعدد من المختصين والمهتمين بأن أهم ما يمكن عمله هو التشجيع على البحث والتطوير والتدريب ،والاهتمام بخصوصية الافراد، ووضع قوانين الحماية اللازمة ،والعمل على تطوير منصات ذكاء اصطناعى وطنية تستخدم في تطبيقات متعددة مفيدة للصالح العام ، كمايقف أيضا على قائمة حماية المجتمع من هذه المخاطر الإهتمام بتعليم الأجيال الجديدة الذين يمثلون نصف المجتمع والحرص على بناء شخصية قوية واعية للتعامل مع هذه الطفرة التكنولوجية التي سيكون حتما تأثير إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي عليها ضعيفا ومحدودا ،إلى جانب الاهتمام بتنقية المعلومات المستخدمة فى عمليات التعليم لنضمن صحة النتائج الصادرة من تلك التقنيات .
ختاما علينا أن ندرك تمامآ أنه مهما بلغ تطور الذكاء الاصطناعي فإنه لن يكون سببا في انقراض البشر، وسيظل وسيلة وأداة مساعدة في تيسير شؤون الحياة ولن يكون بديلا للتواصل الإنساني المباشر وما به من أحاسيس وعواطف جياشه.

كاتب رأي

 

 

مشعل الحارثي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى