كُتاب الرأي

الحقوق المسلوبة

بقلم/ د. شادي الكفارنة

أكدت المعاهدات والاتفاقات الدولية على حماية حقوق الإنسان في السلم والحرب؛ ولكن تجربة الحرب على غزة التي عشناها رأينا فيها اختلافًا فيما نصت عليه هذه المواد المنصوصة في مسودات هذه المعاهدات في أن الحق هو النصيب الواجب للفرد أو للجماعة، ونحن لم نحصل على النصيب الواجب ولا الحقوق وأن من يدّعون منح الحقوق هم أقل الناس تنفيذا لذلك، وأنها تكون بناء على أجندات سياسية وتحالفات دولية فقط دون مراعاة للحقوق الواجبة للإنسان ، فنراهم جردونا من آدميتنا، وسلبوا منا الحق في الحياة كرهًا، انتزعوا منا كل حقوقنا الإنسانية، وحرمونا الغذاء ، أخذوا منا طعامنا وتركونا جوعى لا نأكل مما صنعت أيدينا ، ومنعوا عنا من يقدم لنا حاجاتنا، فلا أطعمونا ولا تركونا نأكل من خشاش الأرض، فكانت النتيجة حرب الموت والمجاعة ونقص الغذاء الذي أنهك أجسادنا فأصبحت كالمومياء هياكل عظمية مغطية بقشور الجلد السمراء الخارجيّة المجعدة من فقدان عناصر التغذية الصحيحة ، وأصبحنا ننتعل أحذية مختلفة الأشكال والألوان و المقاسات يلبسها الشخص نفسه ناهيك عن أنها تستخدم مرقعة مُصلّحة مهترئة تقضي حاجات الناس المضطرة لذلك، لقد وصل التغيير كل معالمنا النوعية حتى أشكال نسائنا اللواتي بتن يقمن بأدوار الرجال، انصهرن بأدوار تداخلت المهام فيها ، وتشابكت الصلاحيات وتشابهت الواجبات، وتكاتفت الأعمار في أن يبقى الجميع على قيد الحياة، كذلك شكل ملابسنا الذي يعود إلى قرون سابقة كملابس المهرجين ، والشعر واللحى كما كان قبل الرسالة المحمدية، وأيدينا موشحة موسخة بسواد من إشعال النيران، وحلوق ناشفة من قلة المياه ، وبطون خاوية ، وعيون غارقة في الرأس من شدة البؤس ، أصبحنا غرقى لا أحد ينظر للآخر بريبة أو تعالٍ أو معيب على شكله كلنا نفس الشبه، نعيش في زجاجة الهموم نتلوع الموت البطيء بأشكاله كافة ، وتستمر عملية سلب الحقوق في توقيف أعمالنا ، وتدمير اقتصادنا،وأخذ مواردنا تعسفًا، وحرق أملاكنا قصدًا، وقصف بيوتنا عمدًا، وسرقة أموالنا عنوةً، وتجويع بطوننا ، وتعرية أجسادنا ، وكشف عوراتنا ، ومنع تعليمنا بتفجير مدارسنا ، وتعطيل سفرنا ، وتشويه ثقافتنا، وتوتير نفسياتنا ، فمسحوا حاضرنا ، وغيروا معالمنا ، وانتهكوا خصوصية حياتنا ،وعلقوا أرواحنا ما بين السماء والأرض ، وشوهوا خلقنا ،وبتروا أطرافنا ،ومنعوا عنا العلاج الطبي ، ودمروا كل المرافق الصحيّة والمراكز الطبيّة دون علاج ولا توفير للأدوية ، فصرنا مصابين بكل أشكال الأمراض الصحية والجسمية والنفسية والعقلية ،ولم نجد أي حماية أو أمان تائهين دون غذاء وكساء ومأوى وصحة حفاة عراة مكشوفي السترة دون عيش كريم بالحقوق الواجبة.
وأخيرًا ينبغي القول …
إنّ صاحب الحق يستطيع إعادة حقوقه المسلوبة بالوعي الفكري والفهم القانوني والعقل التقدمي والتنوع الثقافي والعلم المعاصر والتوازن الوطني ، والقدرة على اتخاذ القرارات المصيرية، لنتعلّم من أخطائنا ، ونستفيد من تجارب الآخرين ، ونصل إلى ما نصبو إليه ، ونحصل على حقوقنا الواجبة ونهنأ كما تهنأ بقية الشعوب.

باحث و كاتب صحفي فلسطيني

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى