*الحرب خُدعة: بين شرعية الحيلة وخطيئة القذارة !!*

*الحرب خُدعة: بين شرعية الحيلة وخطيئة القذارة !!*
* عبدالمحسن محمد الحارثي*
الحرب ليست ساحة للرصاص فقط، بل رُبّ ضربة لم تُطلق، كانت أبلغ من ألف صاروخ. ومن قال: “الحرب خُدعة”، لم يكن يُلقّن فن التمويه فحسب، بل كان يكشف سرّ المعارك الكبرى: أن القتال الحقيقي يبدأ قبل المعركة، في العقل، في الحيلة، في قراءة الخصم كما تُقرأ خريطة النار.
الخُدعة في الحرب ليست رخصة للفوضى، بل هي فنٌ دقيق، كالسير على حد السيف؛ تَعبُر به إلى النصر إن أحسنت التوازن، وتسقط في الخيانة إن اختلّ ضميرك.
يقال إن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع، لكنه لا يُنتزع دائمًا بالقوة العارية؛ فكم من جيوشٍ غلَبَها التضليل، لا السلاح. الخدعة هي سيف العقل، حين لا يكون الحديد كافيًا. إنها المكر الشريف، والمباغتة النظيفة، حين تُستخدم لهدف مشروع، وبأسلوب لا ينسلخ عن الكرامة.
الحربُ بلا خُدعة،كالسيف بلا مقبض؛ يُمكنك أن تلوّح به، لكنك لن تسيطر عليه. أما الحرب التي تخرج من خندق الخدعة إلى مستنقع القذارة، فهي حرب فاقدة للشرف، تنقض ما بُني من قوانين السماء والأرض. الحرب القذرة لا تفرّق بين طفلٍ وجندي، بين مئذنة ومخزن ذخيرة، بين مسجد ومخبأ.
والسؤال: متى تكون الخدعة نُبلاً؟ ومتى تكون نذالة؟!
الخدعة النبيلة هي التي تُربك العدو، لا تدمّر الأبرياء. هي التي تكشف نقاط الضعف، لا تنتهك حرمة الضعفاء. أما الخدعة التي تتحوّل إلى كذبٍ منهجي، وتضليلٍ إعلامي، وجرائم تُغطّى بستار “الدهاء”، فهي ليست خدعة، بل خيانة بوجهٍ تجميلي.
الحرب، حين تُخاض بالعقل والحيلة والتمييز، قد تُنتج نصرًا يحفظ ماء الوجوه. أما حين تُخاض بالقذارة والخداع المحرّم، فهي تُنتج رمادًا لا نصرًا، حتى لو سقط الخصم.
لقد كانت أعظم الجيوش تلك التي أذهلت عدوّها بخدعة ذكية، لا بمجزرة. وكان أنبل القادة أولئك الذين استخدموا الخدعة لمنع الحرب، لا لإشعالها. فالخدعة، حين تُنقذ دماء، أبلغ من النصر، وأكرم من القتال.
ولذا، كانت “الحرب خدعة”… لا لأن كل شيء فيها مباح، بل لأن الذكاء فيها مباح، والغدر فيها محظور. لأن العقول فيها تتبارز قبل أن تتبارز السيوف، ولأن أنبل الحروب هي تلك التي تنتصر بأقل الخسائر،وأعظم الحكمة !!
كاتب رأي
لافض فوك كاتبنا الجميل