كُتاب الرأي

الحاجة والرغبة والإرادة

د. سالم بن رزيق بن عوض

الحاجة والرغبة والإرادة

 

رغم أن الحاجات البشرية السليمة متقاربة ومتشابهة ، ويمكن تحديدها في الاحتياجات الضرورية والأساسية كالمآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب ؛ إلا أن البشر يتجاوزن تلك الحاجات الضرورية والأساسية إلى المرفهات والكماليات ، وقد يكون الإغراق والإنغماس في تلك المرفهات والكماليات حتى تفقد البشرية السليمة والجميلة كثيراً من إنسانيتها وبشريتها الطبيعية السليمة !.

طلب إشباع الحاجات طلب فطري غريزي إنساني وحيواني في آن واحد ؛ فجميع المخلوقات الحية الصغيرة والكبيرة من الحيوانات والدواب وعوالم الإنسان تسعى في سحائب نهارها و سبات ليلها إلى إشباع تلك الاحتياجات الضرورية والأساسية ، وتغدو وتروح في سبيل ذلك ، وهذا مغروس فيها لتبقى على قيد الحياة!

سائر المخلوقات الحية من الحيوانات والدواب الأليفة والمتوحشة تطلب الإشباع في الاحتياجات الضرورية والأساسية ؛ من أجل البقاء والعيش فقط ! فإذا حصل ذلك ! تركت كل شيء خلفها وعادة لترتاح ! وعادة لحياة السكون الراحة والهدوء والاسترخاء بعد جهود كبيرة وعظيمة في سبيل توفير تلك الاحتياجات الضرورية !

أمّا الإنسان المخلوق العجيب ؛ فعادة تنطلق الرغبات والشهوات بعد إشباع الاحتياجات الضرورية والأساسية ؛ وإن كانت الرغبات المتنوعة والمختلفة للإنسان تبدأ بتوفير الاحتياجات الأساسية والضرورية وإشباعها ، فإنه لا يقف عندها أبداً ! بل يتجاوزها على الدوام ! ويرى أنه لم يحقق الاحتياجات الضرورية والأساسية التي يزعمها !

ولذلك لو وقفت الرغبات والشهوات عند الإنسان الحقيقي عند توفير وأشباع الاحتياجات الضرورية والأساسية لكانت له السعادة والسرور والفرح والأمل والنجاح والفوز والفلاح في مراحل حياته المختلفة والمتباينة لكن ذلك لا يحصل غالباً ! فهو يسعى إلى إلباس الرغبات والشهوات لباس الاحتياجات الضرورية والأساسية والتي من دونها يموت ويهلك ! هكذا يرى ويتصور في رحلة حياته !

فالجميع بحاجة ماسة وشديدة إلى المآكل والمشارب والملابس والمراكب والمساكن لكن الناس يتفاضلون أو يتفاوتون فيها بتفاضل رغباتهم وشهواتهم !

يستطيع الجميع يتناول طعام العشاء أو الغداء بما قيمته العشرات من الريالات ! وما قيمته المئات من الريالات كذلك ؛ ويحصل الإشباع من كليهما !

الجميع بحاجة إلى تملك مركبة ( سيارة ) أو منزل جميل ، فيمكن أن يختار الإنسان السوي المركبة النظيفة فهي تكفي العائلة الحبيبة وتؤدي الغرض منها ! و يمكن للإنسان نفسه أن يختار المركبة الكبيرة والتي لا يحتاجها أصلاً ! وإنما الرغبة والشهوة والعجب والغرور والشهرة هي تدفع بإتجاه هذا القرار !.

لضبط الرغبات والشهوات والسيطرة عليها يملك الإنسان الحقيقي السوي ( الإرادة الإنسانية ) ؛ وهي تقديم العقل السليم والمنطق في كل قراراته ! والتي تدفعها الاحتياجات الضرورية والأساسية ظاهراً ! بينما الرغبات والشهوات هي التي تسيطر وتحرك ! وهي التي تصدر القرارات ! وهي التي تقاتل من أجل توفير المرفهات والكماليات وتزعم أنها احتياجات حقيقية أساسية يجب أشباعها !

الإرادة الإنسانية هي القوة الكبيرة والعزيمة الصارمة التي تكبح جماح جميع الشهوات والرغبات والنزق والشبق الإنساني الذي يذهب بعيدا جداً بالإنسان عن مستواه الحقيقي والانفصال عن حياته الحقيقية والمهمة التي خلق لها ! ومكّن له في الأرض !

إن الإرادة والعزيمة الإنسانية الصادقة تعيد حجم الرغبات والشهوات إلى صورة الاحتياجات الضرورية والأساسية دون التجاوز عليها ؛ وتضبط ما تزعمه النفوس البشرية أنها حاجة ملحة إلى المزيد من الإشباع في تلك الاحتياجات الضرورية والأساسية!

إنها تعيد التوازن للإنسان الطبيعي السوي في متطلبات حياته ونفسه وروحه وذاته ووقته وأهله وولده ! وكم نجح الناس في ترويض نفوسهم عندما ايقظوا العزيمة والإرادة الصادقة منهم ؛ تغلبوا على بعض العادات والتقاليد السيئة !
تحكموا في معايير ومقاييس الحاجات الضرورية والأساسية!
اجتازواً كثيراً من العقبات والصعوبات في حياتهم اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية! نقلوا أسرهم وعوائلهم إلى المستويات العليا من النجاح والتفوق والتميز والإبداع !.

إن نظرية الحاجة والرغبة والإرادة الإنسانية الصادقة يمكن أن يطبقها الإنسان على نفسه وأسرته ومجتمعه ليرى الفرق الكبير ! والتحول العظيم في حياته ، وحياة من يعول ! إذا فعّل الإرادة الإنسانية الصادقة فيها ! وكانت تلك الإرادة فولاذية تجاه الرغبات العارمة والشهوات الجامحة !

المصلح والمستشار الأسري

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى