الجندي المجهول..!

زايده علي حقوي
الجندي المجهول..!
في كل درب نسلكه، نحتاج إلى العون ونقدّمه، نُعين غيرنا ونحتاج إلى من يُعيننا. نمدّ أيدينا ونتلقّى، نعطي ونستقبل، فهكذا خُلقنا، وهكذا فُطرنا. البشر لا يعيشون فرادى، بل يتآلفون، يندمجون، يكمل بعضهم بعضًا. منذ خُلق آدم عليه السلام وأمُّنا حواء، والحياة تسير على قاعدة واحدة: لا أحد يستغني عن الآخر.
لكن حديثي ليس عن هذا، بل عن أولئك الذين يمدّون أيديهم بصمت، يصنعون الفرق دون أن يُعرفوا، ويتركون أثرًا دون أن يسألوا عن مردود. لا يبحثون عن الشهرة، ولا ينتظرون الثناء، بل ينشغلون بالعطاء، يمضون في طريقهم بهدوء، ويكتفون برضا ضمائرهم. تراهم في كل زاوية تنبض بالحياة: في العمل، في الحي، في المستشفيات، في المطارات، في المدارس… لا أحد يعلم عنهم إلا الله، ومن شاءت له الأقدار أن يمرّ بهم.
يصلحون… يرمّمون… يبادرون… يجمعون… يعالجون… يسعون للخير… يبذلون أرواحهم قبل أوقاتهم. وربما يواجهون الأذى في سبيل إنقاذ غيرهم، لكنهم لا يبالون. لا يبحثون عن التصفيق، ولا يطلبون المجد، بل يمضون في طريقهم بصمت، كأنهم نسمة مرّت، فأزهرت الأرض بعدها.
هؤلاء الأنقياء… حين تراهم، تشعر وكأنهم غرباء عن هذا العالم، وكأنهم جاؤوا من نور. تبتسم دون أن تشعر، يملؤك الامتنان، ويدعو لهم قلبك قبل لسانك.
هم جنود هذا الوطن، بلا أسماء، بلا هويات، يزرعون الخير ولا ينتظرون المقابل. لا يلمّعون أنفسهم، ولا يبحثون عن الأضواء، يكفيهم الجزاء من الوهاب.
يا لحظ من حمل إحدى صفاتهم، وهنيئًا لمن اتّسم بسماتهم.
هم النور في عتمة الحاجة، واليد التي تمتد قبل أن تُطلب، والأثر الذي يبقى حتى لو غابوا. لا يسألون عن مردود، ولا ينتظرون تصفيقًا، يكفيهم الجزاء من الكريم.
بهم تزهر الحياة، وبأمثالهم نفخر ونعتز.
ولكل من زرع وردًا، فنثر عبقه في أرجاء مدينته… شكرًا.