التنمّر بين الطلبة… صمتٌ مؤلم وعلاج ممكن
التنمّر بين الطلبة… صمتٌ مؤلم وعلاج ممكن
✍️ سلوى راشد الجهني
يُعدّ التنمّر بين الطلبة من أخطر الظواهر السلوكية التي تهدّد البيئة التعليمية وتؤثر في بناء شخصية الطالب. فحين تتحوّل المدرسة – التي يفترض أن تكون بيئة أمان وتعلّم – إلى ساحة خوفٍ وسخريةٍ، تتزعزع ثقة الأبناء بأنفسهم وتضعف الروابط الاجتماعية بينهم.
التنمّر لا يعني فقط الضرب أو الإيذاء الجسدي، بل يشمل السخرية، الإقصاء، التهديد، والتنمر الإلكتروني الذي يمتد عبر الشاشات إلى غرف النوم والعقول والقلوب.
ما هو التنمّر؟
هو سلوك عدواني متكرر يهدف إلى إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي بشخص أضعف، ويقوم على اختلال ميزان القوة بين الطرفين.
ويتخذ أشكالًا عدة:
جسديًا: الضرب، الدفع، الإتلاف.
لفظيًا: السخرية، الشتائم، الألقاب الجارحة.
اجتماعيًا: العزل والإقصاء.
إلكترونيًا: نشر صور أو رسائل مسيئة عبر الإنترنت.
الأسباب والدوافع
تتعدد أسباب التنمّر، ومن أبرزها:
ضعف التنشئة الأسرية: غياب الحوار الأسري واستخدام العنف كأداة تربية.
الرغبة في السيطرة أو لفت الانتباه: يسعى المتنمّر إلى فرض ذاته وسط زملائه.
ضعف الرقابة المدرسية: غياب برامج الوعي والسلوك الإيجابي.
تأثير الإعلام والألعاب العنيفة: إذ تُنمّي العدوان وتُقلّل من الحسّ الإنساني.
اضطرابات نفسية أو شعور بالنقص: يحاول المتنمّر التعويض عبر إهانة الآخرين.
من هو المتنمّر؟ ومن هو المتنمّر عليه؟
المتنمّر: شخص يستخدم قوّته أو نفوذه لإيذاء الآخرين، يُظهر سلوكًا عدوانيًا متكررًا، يفتقر إلى التعاطف، ويبحث عن إثبات ذاته بالعنف.
المتنمّر عليه: غالبًا هادئ، خجول، مختلف بطريقة ما (في المظهر، اللهجة، المستوى الدراسي)، مما يجعله هدفًا سهلاً للإيذاء.
دلائل التنمّر
على الضحية:
تغيرات مفاجئة في المزاج، أو البكاء دون سبب واضح.
رفض الذهاب إلى المدرسة، تدنّي التحصيل الدراسي.
فقدان الشهية أو اضطرابات النوم.
كدمات أو أغراض مفقودة متكررة.
على المتنمّر:
التباهي بإيذاء الآخرين.
ضعف في التعاطف مع زملائه.
شكاوى متكررة من السلوك العدواني.
حب السيطرة ورفض الأوامر.
الآثار النفسية والجسدية للتنمّر
تُظهر الدراسات أن ضحايا التنمّر أكثر عرضة للاكتئاب والقلق بنسبة ٧٠٪، وأن طفلًا واحدًا من كل ثلاثة أطفال حول العالم يتعرض لشكل من أشكال التنمّر المدرسي (منظمة اليونيسف، 2024).
ويؤدي التنمّر إلى:
اضطرابات في النوم والشهية.
ضعف الثقة بالنفس والانطواء.
فقدان الرغبة في التعلم والمشاركة.
في حالات شديدة: التفكير بالانسحاب أو إيذاء الذات.
التوجيهات العملية
للطالبات والطلاب:
لا تصمت أمام الإساءة، بل تحدث إلى معلمك أو المرشد الطلابي.
لا تردّ العنف بالعنف، وحافظ على هدوئك.
ساعد زملاءك المتعرضين للتنمّر وكن صوتًا للحق.
للمعلمين:
لاحظ العلامات السلوكية غير المعتادة.
عزّز بيئة صفّية آمنة قائمة على الاحترام والتعاون.
تدخّل فورًا عند ملاحظة أي سلوك مؤذٍ.
لأولياء الأمور:
استمع لطفلك دون إصدار أحكام.
راقب سلوكه داخل المنزل ومواقع التواصل.
تعاون مع المدرسة لوضع خطة علاجية.
للمتنمّر والمتنمَّر عليه
المتنمّر: أنت بحاجة إلى إصلاح سلوكك لا إلى عقابٍ فقط. اطلب المساعدة، فالقوة الحقيقية في ضبط النفس لا في إيذاء الآخرين.
المتنمَّر عليه: لستَ ضعيفًا، بل قويّ حين تطلب الدعم. ما حدث لا يقلّل من قيمتك، وستتعافى حين تتحدث وتُعبّر.
الحلول والوقاية
برامج مدرسية منتظمة للتوعية بالتنمّر.
إدماج الأنشطة التي تعزز القيم والاحترام.
إشراك الأسرة والمجتمع المحلي في حملات التثقيف.
استخدام التكنولوجيا في التبليغ الآمن عن الحالات.
تدريب المعلمين على مهارات التدخل السريع والتعامل النفسي.
التنمّر ليس «مرحلة مراهقة عابرة» كما يظن البعض، بل جرحٌ يتعمّق في الذاكرة ويترك أثرًا طويلًا في الشخصية. إن مسؤوليتنا – أسرة ومدرسة ومجتمعًا – أن نُعيد للمدرسة معناها الأصيل: بيئة تعلمٍ آمنةٍ تُنبت القيم لا الخوف، وتُنمّي الحب لا العدوان.
ولنتذكّر دائمًا أن «كلمة جارحة قد تهدم ثقة عمرها سنوات».
كاتبة رأي
