كُتاب الرأي

التحصيل الدراسي: حين تصبح التفاحة رمزًا للمعرفة

سويعد الصبحي

التحصيل الدراسي: حين تصبح التفاحة رمزًا للمعرفة

في دروب التعليم تتجلّى أعظم الرسائل وتُرسم ملامح الأجيال.
غير أنّ في تفاصيل الطريق ما يستوقف الفكر ويثير التأمّل.
من تلك الإشكالات التي باتت تؤرّق البيئات التربوية وتقلق النفوس المدرسية: مشكلة التحصيل الدراسي الموسمي حيث يُحشد العلم حشدًا وتُحشر المعلومات حشرًا ثم يُطلب من الطالب أن يتقن ويفهم ويحفظ… دفعةً واحدة
تصوّروا ـ رعاكم الله ـ لو أننا طلبنا من طفلٍ صغير أن يحمل تفاحة واحدة كل صباحٍ إلى مدرسته
سيفعل ذلك بسهولة يحملها بكفّه الصغيرة ويبتسم وهو يسير.
وفي اليوم التالي نطلب منه مثلها ثم التي تليها… حتى تكتمل التفاحات 180 تفاحة في عامٍ دراسيٍ كامل دون أن يشعر بثقل أو يُرهق بالعناء.
ولكن تخيّلوا المشهد معكوسًا
أن يُطلب من ذات الطفل أن يحمل جميع التفاح دفعةً واحدة في يومٍ واحد
ما الذي سيحدث؟
سيقع منه بعضها ويتعثر ببعضها ويشعر بالضيق والضجر وربما يرفض الحِمل كله
وهكذا تمامًا هو حال طلابنا حين نُحمّلهم محتوى عامٍ دراسي كامل في أسبوع أو اثنين من الاختبارات ثم ننتظر منهم إنتاجًا ناضجًا وفهمًا راسخًا ونتائج زاهرة.
إن التعليم الحقّ لا يُختزل في موسم ولا يُقاس بكمّ
بل هو بناء ممتدّ وغرسٌ متدرج وفهمٌ يتراكم عبر الزمن
وليس حشوًا يُصبّ صبًّا في عقولٍ لم تُمهّد وقلوب لم تُهيّأ.
المدرسة في حقيقتها  ليست مستودعًا للكتب
ولا معملاً للحفظ الميكانيكي
بل هي حضنٌ معرفي يُنمي العقول ويهذب السلوك ويرتقي بالفكر.
والمعلم ليس مجرد ناقلٍ للمعلومة بل هو قائد رحلة يوزع الزاد ويرشد المسار ويُشعل شموع الفهم في دروب الطلاب.
توزيع المحتوى العلمي على مدار العام الدراسي هو الحل الأقرب للفطرة والأوفق للطبيعة البشرية
فكما لا يأكل الإنسان طعام أسبوعٍ في وجبة واحدة ولا يشرب ماء يومٍ في دقيقة
كذلك لا يتعلّم الإنسان كل علمه في أيام معدودة.
إن تقسيم المعلومة على مراحل وتقديمها بأساليب متعددة وربطها بتجارب الحياة
يُثمر فهمًا أعمق ويُقلل من التوتر ويزرع الثقة في النفس ويجعل من التعليم رحلةً ممتعة لا مرهقة.
أيها التربويون أيها الآباء أيها المعلمون الكرام:
ساعدوا أبناءكم على حمل التفاح… تفاحة تفاحة
لا ترهقوهم بحِملٍ لم يُصنع لظهرهم ولا بضغطٍ لم تُخلق له أعمارهم.
دعوا العلم يسري في عروقهم كما يسري النسيم في الروح
خِفّةً وبساطةً وتدرّجًا
واجعلوا من المدرسة موطنًا للفهم لا ساحةً للقلق.
حينها فقط سنشهد جيلًا لا يحفظ ليُنجح بل يتعلّم ليَفهم ويَنهض ويُبدع.

كاتب رأي وإعلامي

سويعد محمد موسى الصبحي

كاتب رأي وإعلامي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى