البنات سفيرات فوق العادة

نسمع كثيراً ممن وهبه الله تعالى الذكور دون الإناث وهو يردد قائلاً لمن حوله : هنيئاً ثم هنيئاً ثم هنيئاً لمن رزق بالبنات فقط ! فإن تربيتهن أسهل وأيسر وأحسن من تربية الأولاد الذكور ! وقد يوافق هذه الفكرة الساذجة البسيطة بعض الذين لم يمروا على تربية الأولاد من البنات بل ويّدعي بعضهم أن تربية البنات من السهولة بمكان وهو لم يتزوج أصلا أو تزوج ولم ينجب بعد !
الفكرة في الفهم أن الأولاد الذكور يختلفون تماماً في التربية والتعليم والتنشئة عن أخواتهم البنات ! وأن الأولاد الذكور شرٌ مستطيرٌ ، وهمٌ دائمٌ ، وحزنٌ داهمٌ ، وتجارةٌ خاسرةٌ ، وصفقةٌ بائرةٌ ،وحروبٌ مستعرةٌ ، ودموعٌ منتشرةٌ ، وحلبةٌ وغلبةٌ ، ومجّبنةٌمبخلةٌ ، وألمٌ لا ينتهي ، ولا همٌ لا ينتفي ، وجراحٌ رائفةٌ ، ودماءٌ نازفةٌ .
هكذا الصورة عن تربية الأولاد الذكور عند بعض الناس وربما تناقلوها وتسامروها وتوارثوها بين الأجداد والجدات والآباء والأمهات وهي سائرة في الناس جميعاً دون حكمة حكيم يوقف هذه المسيرة الطويلة المؤلمة ، ويحاول تغييرها وتبصيرها ورسم نماذج إيجابية جديدة و كبيرة في ميدان تربية الأولاد الذكور مرجعها القرآن الكريم وإشراقات السنة المطهرة.
التربية والتنشئة في أدبياتها همٌ كبيرٌ حقيقة ؛ وجهد مضطرد طويل وأفق عال ورؤية واضحة وتعلق وتوكل على الله تعالى فمن خاض غمارها في تربية ابن أو ابنة ، أو الأثنين معاً رأى وسمع ومارس التربية والتنشئة الحقيقية ! وهذا الذي مِن حق الجميع السماع لأقواله وآرائه فهو ممارس للتربية والتعليم وأكتسب في نهاية مشواره المعلومات والمعارف والمهارات التربوية الحسنة والصادقة .
هناك عدد من التحديات والصعوبات والعقبات العصرية في تربية الأولاد عامة والبنات خاصة ، يمكن نوجز ذلك في النقاط التالية :
التحدي الأول : قلة وعي الآباء والأمهات بأهمية تربية أولادهم وعدم تركهم هملا هكذا يأكلون ويشربون وينامون ويقومون ويلهون ويلعبون دون برامج تربوية واضحة .
التحدي الثاني: عدم إكتراث بعض الآباء والأمهات بأهمية سلوكهم السلبي في غرس المفاهيم السلبية والتي يصعب
فيما بعد التخلص منها . واقتلاع آثارها السلبية!.
التحدي الثالث : اعتماد الأمهات في تربية البنات على الموروث من الآباء والأمهات والأجداد والجدات دون الإطلاع والقراءة في مجال التربية والتنشئة ، دون زيادة المعلومات والمعارف في هذا المجال العظيم.
التحدي الرابع : ضعف المتابعة للبنات في مؤسسات التعليم المختلفة والاكتفاء بتوفير الاحتياجات الضرورية دون الدخول في تفاصيل المتابعة اليومية وتنفيذ الزيارات الدورية للوقوف على السلوكيات الجديدة ومد يد العون لهن في هذه المرحلة .
التحدي الخامس : المهنة المنزلية :
عدم تعويد البنات من قبل الأمهات على أن يكون لهن دور إيجابي في المنزل والفراش والمطبخ كالنظافة والترتيب والمشاركة في الطبخ وأعمال المنزل الأخرى.
التحدي السادس : تزمين الإنترنت:
أصبح لدى أكثر الناس خدمات الإنترنت ترفاً ثقافياً وعملاً كمالياً وإنفاق الساعات أمام شبكة الإنترنت هدر للوقت والطاقة والعمر وخصوصاً إذا تجاوز الحد المعقول للبنات . لكي نحافظ على البنات علينا تحديد زمن الجلوس أمام الإنترنت والالتزام بهذه الزمن ومراقبة تنفيذه .
التحدي السابع : الصاحبات ساحبات :
من الطبيعي أن تكون للبنت صاحبة أو زميلة ويحدث بينهما من الزيارات واللقاءات في ظل دراية وعلم الأهل هذه الطبيعي والعادي لكن ما ينبغي أن نهتم به هو تربية البنات على حسن اختيار الصاحبات قبل حسن الصحبة ! فتذكير البنات بأهمية اختيار الصحب الطيب الحيي الجاد والمبادر من الأهمية بمكان
التحدي الثامن : صخب البيوت :
بعض الأسر الكريمة والعوائل المحترمة صاخبة من الداخل وغير مستقرة ، خصام دائم وعراك ومعارك وسباب وشتائم وحرارة وأعصاب متوترة بصورة دورية كل هذا يؤثر سلباً في تربية البنات خاصة والأولاد عامة ، وتنشأ نتيجة لهذه الصور المؤلمة شخصيات محطّمة ونفسيات منهارة أو مريضة . .. لذا على الآباء والأمهات حسن إدارة المشكلات المنزلية فإن لها أثر عريض في تربية الأولاد الذكور والبنات .
التحدي التاسع : التغييرات المتسارعة في العالم القريب والبعيد ، والصدمات السريعة التي لا تكاد تتحملها ، ثورة الإعلام المرئي والمسموع ثورة شبكة الإنترنت، الانفتاح المتسارع ، هناك مقاومات ولكنها ضعيفة أمام طوفان التغيير لذا على المربين من الآباء والأمهات حسن التربية والتنشئة والتأهيل للتعايش مع العالم .
التحدي العاشر : تقوية الذات :
في ظل التحديات والصعوبات والعقبات العصرية المتسارعة البنات في حاجة ماسة وشديدة إلى تقوية الإيمان بالله تعالى وحسن الإطلاع على سنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وحسن الإطلاع على سيرة أمهات المؤمنين وحسن الإطلاع على سيرة نماذج مشرقة ومضيئة من التّابعات ومن خلاصة المعاصرات الرائعات العاملات .
ولا ننس أن نهيأ البيئات المنزلية ونحيطها بالحب والمحبة والتعاون والتفاؤل والعطاء والبذل والتضحية والإيجابية والصبر والتحمل والإخاء وأن نكثر لأنفسنا وأولادنا وبناتنا من الدعوات الصادقات الصالحات لهن بالهداية والصلاح والإستقامة العلم النافع والعمل الصالح الرزق الواسع المبارك والأزواج الصالحين والذرية الصالحة والحياة الزوجية والأسرية السعيدة.
فصناعة وصياغة البنات ليكن مسلمات مؤمنات صالحات مربيات قدوات ورموز حقيقية هي صناعة سفيرات عظيمات فوق العادة في الحياة الإنسانية الجميلة الواعدة.
قال شاعر النيل العظيم حافظ إبراهيم رحمه الله تعالى:
مــن لــي بـتربية الـنساء فـإنها
فـي الـشرق عـلة ذلـك الإخفاق
الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا
أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق
الأم روض إن تــعـهـده الـحـيـا
بــالــري أورق أيــمــاً إيـــراق
الأم أســتــاذ الأســاتـذة الألـــى
شـغـلت مـآثـرهم مــدى الآفـاق !
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض