كُتاب الرأي

البعوض وإستراتيجياتنا السعودية

محمد الفريدي

يُعاني أحد أصدقائي المقيمين في مزرعته من مشكلة مزعجة مع البعوض الذي حول لياليه إلى كوابيس من الأرق والسهر المتواصل، فكلما حاول أن يخلد للنوم بعد يوم طويل من العمل الشاق، يجد نفسه محاصرا بطنين مزعج لا ينتهي، ومع قدوم فصل الخريف، تزداد معاناته بشكل أكبر، حيث ينتشر البعوض في كل زاوية من غرفته.

في إحدى الأمسيات، جاء صديقي حاملا كيسا صغيرا في يده، وهو يصرخ بحماسة: (قولوا لي مبروك يا إخوان! أخيرا وجدت حلا للبعوض، طارد بعوض قوي جدا) اجتمعنا جميعا حوله بلهفة لنرى ما يحمله، متطلعين لاكتشاف الحل السحري الذي استعصى على أجيال سابقة.

وعندما كشف صديقي عن (الطارد الرهيب)، اتضح أنه مجرد بخور عطري، فانفجرت ضاحكا، وسألني متعجبا :
– ما بك؟ لماذا تضحك؟
فأجبته:
– يبدو أن العطار علم بمعاناتك، فقرر أن (يطقطق عليك) بهذا البخور الذي لا يستطيع طرد بعوضة واحدة، لو كان هذا فعالا، لما عانت منطقتنا كلها من هذا البعوض المزعج لسنوات طويلة.

تُجسد هذه القصة واقع بعض المبادرات التي يُعتقد أنها الحل النهائي لمشاكل معقدة، تماما كما فرح صديقي بهذا البخور معتقدا أنه الحل السحري لمشكلته مع البعوض.
نرى أحيانا ردود فعل مشابهة تجاه حلول تبدو مبشرة في البداية، لكنها غير فعالة عند التطبيق، فمثلما كان البخور غير قادر على حل مشكلة البعوض، كذلك بعض الحلول تبدو ساذجة وغير مجدية، مما يتطلب منا البحث عن خيارات أكثر فعالية.

هذا الواقع لا يقتصر على المواقف الشخصية اليومية فقط، بل يمتد ليشمل التحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات والدول، فغالبا ما يُتمسك ببعض الحلول التي تبدو ملائمة في البداية، لكنها لا تلامس جوهر المشكلة، وحينما نعتمد على إستراتيجيات سطحية، نبقى بعيدين عن تحقيق النتائج المرجوة، ويظل جوهر المشكلة قائما دون معالجة حقيقية.

في المملكة العربية السعودية، يتميز المجتمع السعودي بقوته وصلابته في مواجهة التحديات، فعلى الرغم من التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ظل مخلصا لوطنه وقيادته، مؤيدا للتغيرات التي تصب في مصلحة بلاده.
هذا التلاحم والولاء الفريد من نوعه جعل المملكة قادرة على تجاوز العديد من الصعوبات وبناء مستقبل مشرق لها ﻭ لأبنائها يتسم بالنمو والازدهار.

والولاء المتأصل فينا لمن لا يعرفنا ليس مجرد شعور عابر، بل هو جزء من نسيج مجتمعنا المتماسك، وأسهم هذا الولاء في بناء مجتمع قوي مترابط يسعى دائما إلى الأفضل، ويعتبر التحديات جزءا من مسيرة تطوره.

ويكمن الطابع الفريد لمجتمعنا السعودي في تمسكنا بتقاليدنا وقيمنا الإسلامية العريقة، وقدرتنا في الوقت ذاته على التكيف مع التغيرات السريعة.
ﻭ برغم الانتقادات والمواقف المغرضة، نظل كشعب فخورين بوطننا، واثقين بأن مسيرتنا نحو مستقبل مشرق تسير على الطريق الصحيح.
والتوازن بين الحفاظ على هويتنا الثقافية والانفتاح على التطورات الحديثة منحنا القوة والقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية بثقة وإصرار.

القصة التي سردتها لكم عن البعوض تحمل درسا قيما، ففي بعض الأحيان، يبحث بعضنا عن حلول سريعة لمشاكل معقدة، ويتحمسون لأي فكرة تبدو كطوق نجاة، ولا يعلمون ان التحديات الكبيرة تتطلب تفكيرا عميقا وخططا محكمة، والسعودية أثبتت مرارا أن النجاح لا يأتي من الحلول المؤقتة، بل من التخطيط السليم والإستراتيجيات المدروسة.

ثقتنا في قيادتنا وإيماننا بأن التحديات تمثل فرصا للنمو هي من العوامل التي ساعدتنا على تجاوز العقبات، وكما لا يمكن لصاحبنا أن يطرد البعوض ببخوره العطري، فإن التحديات الكبيرة تتطلب تفكيرا إستراتيجيا وتنفيذا دقيقا.

إن التحديات التي تواجهها أي دولة هي جزء من مسيرتها نحو التقدم، والسعودية ليست استثناءً، بل هي نموذج حي يثبت للعالم أن شعبها يمتلك الإرادة والعزيمة لتحويل الصعوبات إلى نجاحات، ومع كل مرحلة جديدة تواجهها المملكة، يمتلك شعبها الأدوات والخطط اللازمة للتعامل مع التحديات بمسؤولية وفعالية، مما يعزز من تقدمها وازدهارها على كافة الأصعدة.

ونحن بفضل تفانينا وثقتنا في قيادتنا، نمثل الأساس الصلب لاستمرار نجاح مملكتنا، وتعزز قدرتها على مواجهة التحديات، وتحقيق أهدافها الطموحة، وترسيخ أمنها و استقراراها.

ولا يقتصر الأمر على مواجهة المشكلات المحلية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى مواجهة الأزمات العالمية التي تفرضها العولمة والتغيرات السريعة في العالم.
ففي ظل التقدم التكنولوجي الهائل، باتت المجتمعات في العالم كله تواجه تحديات جديدة تتطلب تكييفا سريعا وفعالا، والمملكة ليست بعيدة عن هذا التحول، فقد تبنت في السنوات الأخيرة عدة مبادرات تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والابتكار كوسيلة لتعزيز قدرتها على مواجهة المستقبل، و تعزيز قدرة شعبها.

و أخيرا يمكننا القول إن الحلول السريعة قد تمنحنا شعورا مؤقتا بالراحة، ولكنها لا تضمن لنا النجاح الدائم، فكما أن مواجهة البعوض بالبخور قد تبدو للبعض فكرة جيدة لفترة وجيزة، فإن الحلول طويلة الأمد هي التي تضمن الاستدامة والنجاح الدائم، ﻭ مملكتنا عبر تاريخها الطويل، تعلمت هذا الدرس جيدا، فهي تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل يعتمد على التخطيط العميق والرؤية الواضحة، معتمدة على الله عز وجل ثم على قدرة شعبها المتماسك الذي يؤمن بقدراته وقياداته، وتثبت يوما بعد يوم أن الصبر والعمل الجاد هما السبيل لتحقيق رؤيتنا الطموحة، فنتجاوز معها الصعوبات، ونحقق الإنجازات بروح من الإصرار والثبات، مدفوعين بقيادة حكيمة وشعب يضع مصلحة وطنه فوق كل اعتبار.

كاتب رأي

 

محمد الفريدي

رئيس التحرير

‫4 تعليقات

  1. أبدعت أستاذنا في صياغة المدخل القصصي الطريف ونسج خاتمة الولاء والانتماء .. والربط بينهما في عرض يصور حكمة قيادتنا وعزيمة شعبنا 👌🏻بوركت وبورك قلمك .

  2. [بعض الحلول مضيعة للوقت]
    لم يكن صديقك المقيم الذي تعرض لهجمة البعوض وحده وظل يعاني وقتا ليس بالقصير فقد كنت مسافرا بسيارتي متجها إلي المدينة المنورة في ليلة شتوية فأحببت أن أستريح في مزرعة والدي رحمه الله في “ثول” لبعض الوقت فقد داهمتني موجات وهجمات شرسة من أفواج البعوض حيث فشلت جميع الحلول التقليدية التي توفرت لدينا بإمكانيات أقل من متواضعة مع إستمرار قرصات البعوض المتلاحقة حتى لجأت إلى داخل سيارتي الأمريكي من قراند ماركيز التي حرمتي أن أقضي ليلة ماتعة تحت ضوء القمر أقرب ما تكون للبرودة منتظرا أذان صلاة الفجر لأدي الصلاة جماعة في المسجد المجاور وأواصل رحلتي لارتباطي بموعد هام في المدينة المنورة الساعة الثامنة صباحا

  3. المجتمع السعودي قوي متمسك بعاداته وتقاليده وكل مايخص فخره وعزته وبذات الوقت مجتمع مرن قادر على التخلص من كل مايعيق مسرته في التقدم والتطور
    ويجد لمشكلاته حلول جذرية حقيقية لا يجامل فيها أحد ولا يقلد
    دام هذا المجتمع بهذهِ القوة وهذا الكيان الراسخ تحت قيادة حكومتنا الرشيدة
    تحية لقلمك المتميز وفكرك الراقي
    أستاذ محمد 🌹

  4. “أبدعت أ. محمد في تقديم قصة معاناة زميلك مع البعوض بشكل طريف وجذاب. لقد أضأت جوانب من الواقعية والمرح في ذات الوقت، مما يجعل القارئ يشعر بعمق الموقف ويشاركك الضحك. الحل الذي وجده صديقك، حتى وإن كان بسيطًا، يعكس روحه المرحة وقدرته على مواجهة التحديات بابتسامة👍…
    شكراً لك أستاذ محمد لمشاركتنا هذه القصة الرائعة !”

    كما أعجبني في النهاية ذلك الربط العجيب بين القصة وتحديات العصر الراهن 👏👏👏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى