البشر مثل الكتب… فهل نُجيد قراءتهم؟

البشر مثل الكتب… فهل نُجيد قراءتهم؟
في عالمٍ يزداد افتتانًا بالصورة، وتُختزل فيه القيم في الواجهات والمظاهر، تبرز حكمة خالدة كأنها مرآة للواقع: “البشر مثل الكتب، منهم من يخدعك بالغلاف، ومنهم من يُدهشك بالمحتوى.”
تلك الحكمة البسيطة ظاهريًا، تخفي وراءها فلسفةً إنسانيةً عميقة، ترسم لنا بوضوح الفرق الشاسع بين الزيف والحقيقة، بين البريق الخادع والنور الكامن.
في حياتنا اليومية، كم من الأشخاص التقيناهم وافتتنّا بوجوههم، بأحاديثهم المُنمّقة، وبأناقتهم المصقولة! ظننا أن وراء ذلك اللمعان عقولًا ناضجة، وقلوبًا نقية، وأرواحًا سامية.
لكن سرعان ما تهاوى كل ذلك حين قرأنا أول سطر في أعماقهم، لقد كانت الواجهة زائفة، والغلافُ غِشًّا بصريًا أُتقن صنعه، أما المحتوى فكان هشًّا مفككًا، وربما أجوف.
وفي المقابل، كم من الأرواح مرت بنا بصمتٍ وحياء، لا صخب فيها ولا بهرجة، وجوه بسيطة، وملامح لا تَستوقف الأنظار. تجاهلهم كثيرون لأنهم لم يُجيدوا العرض، ولم يُجملوا الغلاف، ولكن حين اقتربنا، وحين تجرّأنا على القراءة في دواخلهم، وجدنا أنفسنا أمام كنوزٍ من النقاء، وأعماقٍ من الفكر، وصفحاتٍ تفيض بالحكمة والتجربة والمعرفة.
لقد أصبحت المظاهر في هذا العصر طُغيانًا يُرَوِّج للكاذب، ويُقصي الصادق، وأضحى الحُكم على الناس يُبنى على ما “يبدو” لا على ما “يكون”.
لكن الحق لا يُقاسُ بالألوان ولا بالأزياء، بل بما يُسطّره الإنسان في صفحاتِ سلوكه، ومواقفه، وأخلاقه، وما يخلّفه من أثرٍ بعد كل لقاء.
الكتب لا تُختَبرُ من غلافها، وكذلك البشر؛فقد يكون الغلاف فخمًا ومزخرفًا، ولكنه يخفي فراغًا قاتلًا، وقد يكون الغلاف باهتًا، لكنه يخبئ بين دفّتيه فكرًا خالدًا، ولهذا كان الأجدر بنا ألّا نُسارع في الحكم، وألا نختزل الإنسان في ابتسامة مصطنعة، أو عنوان برّاق.
فكم من “كتابٍ بشري” مهمل على رفِّ الحياة، لم يجد من يقرأه، ولو قرؤوه لعرفوا أن فيه من النور ما يكفي لهداية العقول!
إن العالم بحاجة إلى قارئٍ بصير، لا يفتنه الغلاف ولا يعميه الطلاء، بل يغوص في المعاني ويبحث عن الجوهر… لأن العبرة دومًا بالمحتوى، لا بالغلاف.