التباين في معاني القرآن الكريم: (النجم) نموذجًا

سويعد الصبحي
التباين في معاني القرآن الكريم: (النجم) نموذجًا
يُعد التباين في معاني الكلمات القرآنية أحد أوجه الإعجاز البياني في القرآن الكريم حيث تتجلّى قدرة اللغة العربية على حمل المعاني المتعددة بحسب السياق وتتكشف من خلال ذلك أبعاد جديدة من الفهم والتأمل.
ومن الأمثلة اللافتة لهذا التباين: كلمة (النجم) التي وردت في القرآن الكريم بعدة مواضع، لكل منها دلالته الخاصة بحسب السياق والمقام.
المعنى الأول: النجم الكوني في السماء
في قوله تعالى:
والنجم إذا هوى. (سورة النجم، الآية 1)
يشير (النجم ) هنا إلى النجم المعروف في السماء ذلك الجِرم السماوي الذي يهوى من علو ويُعد من آيات الله الكونية الدالة على عظمته وقدرته في خلق هذا الكون بنظام دقيق.
ويأتي هذا القسم في سياق إثبات صدق الوحي الذي ينزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ليس ضربًا من الخيال أو الأوهام.
المعنى الثاني: النبات الذي لا ساق له
في قوله تعالى:
والنجم والشجر يسجدان. (سورة الرحمن، الآية 6)
يتغيّر المعنى تمامًا فـ (النجم ). هنا لا يعني الجِرم السماوي بل يُقصد به نوع من النبات الذي ينمو قريبًا من سطح الأرض ولا يملك ساقًا كالأعشاب والزروع الصغيرة.
وهو في هذا الموضع جزء من مشهد تصويري يُجسد خضوع المخلوقات لله عز وجل في سجدتها له كلٌ بحسب طبيعته وتكوينه.
تأملات في التباين
هذا التباين في دلالة الكلمة بين المواضع المختلفة يُبرز عمق القرآن الكريم وثراء اللغة العربية ويُعطي للكلمة بعدًا حيًا يتشكّل ويتناسب مع المقام والمغزى الذي يُراد إيصاله.
فلا يكون التكرار مملًا بل هو تجدد في المعنى وتنوع في الأسلوب يُثير العقل والقلب معًا للتدبر والفهم.
خاتمة
إنّ فهم معاني الكلمات في سياقها القرآني يفتح آفاقًا واسعة للتدبر ويُعلّمنا أن القرآن لا يُقرأ بسطحية بل بتأنٍ وتأمل.
فكلمة واحدة كـ (النجم)قد تحمل في طياتها إشارات كونية ودلالات حياتية وإيمانية لا تتجلى إلا لمن أمعن النظر وتذوّق بلاغة هذا الكتاب العظيم.
فسبحان من أنزل هذا الكلام وجعل فيه من المعاني ما يُدهش العقول ويحيي القلوب.