كُتاب الرأي

” الانطباع المسبق “

 

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

” الانطباع المسبق “

بين الظلم وخداع الانطباع الأول عن شخص ما ، مآسي ومصائب ، قد يدفع ثمنها الضحية ، وحتى يتضح المقصد سأذكر لكم قصة قصيرة منقولة ، لتحكموا بعدها :

يقول صاحب القصة :

 فقدت فأسي ، اشتبهت بالجار أنه قد سرقه مني ، فبدأت أراقبه باهتمام شديد.

كانت مشيته مشية سارق فأسي، وكلامه كلام سارق فأسي، وحركاته توحي بأنه سارق فأسي.

‏أمضيت تلك الليلة حزينا ولم أعرف كيف أنام وأنا أفكر بالطريقة التي سأواجهه بها ؟

في الصباح الباكر عثرت على فأسي , لقد كان ابني الصغير قد وضع فوقه كومة قش ،

نظرت إلى الجار في اليوم التالي ، فلم أجد فيه شيئاً  يشبه سارق فأسي ، لا مشيته ،

ولا كلامه ، ولا إشاراته ..

‏وجدته كالأبرياء تماماً ، فأدركت بأني أنا من كان اللص !

لقد سرقت من جاري أمانته وذمته، وسرقتُ من عمري ليلة كاملة أمضيتها ساهراً أفكر كيف أواجه بالتهمة رجلًا بريئاً منها …!

 انتهت القصة .

 ويقاس على ذلك لو قيل لك أن هذا الرجل  مجنون ( وأنت لا تعرفه مسبقا ) ورغم أنه عاقل ، ولكنك سوف تلاحظ كل حركة يقوم بها هذا الرجل أنها حركة شخص مجنون ، وتصرفات مجنون ، حتى لو يرفع كوب القهوة  إلى فيه ويشرب ، فسوف تشعر أنه يتصرف  كالمجنون ، لأن عقلك الباطني يقول ذلك ، بسبب  تأثير  الكلام المسبق الذي سمعته عن هذا الشخص .

وقس على هذا …. الخ

ففي حياتنا اليومية ، نمر بمواقف كثيرة نسمع فيها آراء أو كلمات تُقال عن أشخاص لم نعرفهم بعد أو لم نخض تجربة شخصية معهم. كثيراً ما نسمع حكماً مسبقاً على أحدهم : “هذا الشخص متعجرف”، أو “لا يمكن الوثوق به”، دون أن نملك دليلاً سوى ما نُقل إلينا.

وهنا تبدأ المشكلة : الحكم على الأشخاص بناء على ما يُقال عنهم فقط ، دون تحقق أو تجربة مباشرة، يمكن أن يكون ظالماً ، بل ومدمراً أحياناً.

فالكلمة تحمل قوة هائلة ، قد تكون أقوى من الحقيقة ، فهي قادرة على بناء صورة ذهنية أو تدميرها في لحظة .

حين يقال لشخص أن فلاناً سيئ الخلق، فإن هذه الكلمة تبدأ بالتغلغل في ذهنه ، ثم تشكل حاجزاً بينه وبين ذلك الشخص حتى قبل أن يلتقيه.  قد يشعر بالريبة، أو يتعامل معه بحذر شديد ، أو يتجنبه تماماً ، بناء على ما سمعه عنه . وهكذا ، يكون تأثير الكلمة أقوى من الحقيقة نفسها في بعض الأحيان .

وعندما نحكم على الناس بناءً على آراء الغير ، فإننا نكون قد ظلمناهم مرتين : مرة لأننا لم نعطهم الفرصة لعرض أنفسهم ، ومرة لأننا صدقنا رواية قد تكون منحازة أو غير دقيقة. هذا النوع من الحكم يُفسد العلاقات قبل أن تبدأ ، ويغلق أبواب التفاهم والود . والأسوأ من ذلك ، أن الشخص المحكوم عليه قد يشعر بالعزلة أو الألم بسبب نظرات الناس أو معاملتهم له بناءً على سمعة نُقلت لا واقع عُرف .

و من المهم أن نفرق بين ما يقال ، وما نراه ونختبره بأنفسنا .   فالتعميم بناءً على رأي فردي أو تجربة محددة يقود إلى الانحياز ، بينما الإنصاف يتطلب أن نمنح كل شخص فرصة لنراه بأعيننا ، لا بأعين الآخرين .

فمن القيم الإسلامية التي يحث عليها الدين والعقل، أن لا نأخذ بكل ما يقال دون تمحيص وتثبت وتبين . قال الله تعالى :

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا “

وهذا دليل واضح على أن التثبت واجب قبل إصدار أي حكم .

 فالعاقل لا يكون أداة ترديد ، بل ميزان عدل وتمييز .

نائبة رئيس التحرير

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

نائبة رئيس التحرير ( كاتبة رأي ومؤلفة )

‫7 تعليقات

  1. راااااااائعة أستاذتنا الغالية
    فعلا افتقدنا في مجتمعاتنا حسن الظن و التجاوز و التماس العذر للأسف .
    فبتنا قلوبٌ يمرضها الشك و أجسادٌ ينخر قواها الحسد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى