الاكتناز الأجوف

لا أدري كيف للبعض أن يحيا بين الأنام ، وهو يشعر بالعجب ، والتكبر ، والغرور، ألا يعلم أولئك الممتلئون فراغًا، أنهم يشابهون المنطاد الطافح بالهواء!! أما آن لهم أن يتركوا عنهم تلك الخصلة الذميمة،!! هل صدقًا أنهم لا يستوعبون بأنهم يعيشون في المنطقة العمياء!! الناس ينظرون إلى عيوبهم ويعرفونها جيدًا، ولكنهم لا يستطيعون تغيير سلوكياتهم.
الحقيقة نحن نعيش في وسط اجتماعي مركب، تظهر فيه العديد من السلوكيات غير المرغوبة نعم سلوكيات غير مرغوبة لسنا مجتمعًا ملائكي، إنما هناك فئام من الناس تلقوا صنوفًا من التربية غذت فيهم الاستكبار ، فئات لا هم لها إلا العجب نفوس تم حشوها بسلوكيات لا تتطابق مع الأخلاق والآداب والشيم المتعاظمة ، تلك السلوكيات تجعلنا نتذكر قصص فرعون المقبور، الذي أعلن توبته حين حلّتْ به المصيبة واستحكم به العقاب ، ولكن هيهات له أن تقبل توبته، بسبب تكبره ، وتجبره، وظلمه، وغطرسته، وافترائه على الخلق،
كم من فرعون يعيش بيننا ، وكم من فرعون متسلط ، ومتكبر، وهو يأكل كما يأكل الناس ، ويمرض كما يمرض البشر، ويغتسل، ويستحم مثله مثل الآخرين ، لا فرق بينه وبين الأوادم.
إنّ مثل هذا الجنس البشري، يعيش في قوقعته الجوفاء، ويحيط نفسه بهالة الأهمية الكاذبة ، يخال إليه أنه أفضل البشر ، وأنه لن يموت ، ولن يحاسب، ولن ترصد أعماله في صحائفه الفائضة بالفراغ، المكتنزة بالخُواء.
يعتقد ذلك الكائن الغريب أنه لن يضعف ولن تنقلب عليه أيامه.
أصحيح أنهم لا يدركون؟
أصحيح أنهم غافلون؟
أبلغت بهم الصفاقة أنهم لن يحاسبوا؟
أوصلت بهم شمخرتهم(شمخرة بمعنى صلفٌ) أقول هل وصلت بهم شمخرتهم أن يعتقدوا أن لا أحد فوق الأرض أفضل منهم؟
إنّ المتعظم عما لا يليق به من صفات الذم والنقص، وينزه نفسه عن كل زلل إنما يرفع نفسه لدرجة الخالق جل وعلا، وهو بذلك يغوص بنفسه في وحل الخطيئة، وينغمس في بحر الدناءة، ويرغب اكتساب صفات ليست له ، وليست فيه ، إنما هي مختصة بالخالق عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إنّ الله جميل يحب الجمال : الكبر بطر الحق وغمط الناس… الحديث))
أي أن احتقار الناس، وتعمد إهانتهم ضرب من ضروب إلحاق الأذى بالنفس ، وهو سمة من السمات الشائنة التي يخالف فيها المرء تعاليم الدين القويم.
فالمشي في الأرض شرعه الله لجميع الخلق ، لكنه لم يشرع لهم الإعجاب بالنفس ، والزهو بها ، لم يرد في كتابه المعجز آية تدل على جواز التكبر على الخلق ، بل أتت الآيات الكريمة تأمر بألا يمشي مصعرًا لخده ، ولم تعط توجيهًا أن يمشي خيلاءً.
قال تعالي(( ولا تصعّر خدك للناس ولا تمشِ في الأرض مرحا، إنّ الله لا يحب كل مختال فخور))
أولئك المختالون محل نظر من جميع النواحي: السيكولوجية، والتربوية، والأخلاقية، والاجتماعية، لديهم امتلاء أجوف، لا يُعرف له معنى، ولا أساس له في علم الأخلاق.
لقد فسر علماء النفس السلوكيات التي تصدر منهم بأنه نقص شديد يعتريهم يجعلهم غير واعين وغير مدركين لما يقومون به من أخطاء ، نتيجة لعوامل كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ، لكن يمكن تسليط الضوء على العقل اللاواعي عندهم.
إنهم يعوضون نقصهم بالعمل ثم العمل باستمرار للحصول على كل الرغبات يساعدهم في ذلك الهالة التي يحيطون بها أنفسهم، يكسرون مجداف التواضع، ولا يعترفون بخصاله.
لقد فسر علماء النفس أن التكبر يعد سلوكًا عبثيًّا يركز على الإنجازات، والأموال، والممتلكات، والمظاهر الشكلية، إنه يعظم الأنا، ويضخم دورها.
هذاك الشيء لا يبدو جيدًأ أليس كذلك؟
نحن نكره الكبرياء ، ونعتقد جازمين أنه سلم سوف يُسقط صاحبه.
علينا أن ندرك أن التكاليف الطبيعية على الكبرياء والغرور تتجاوز مفهوم النرجسية الواسع وتوضح لنا مدى السقوط الذريع للنظرية المتغطرسة للذات.
ختامًا/
علينا أن ندرك أن الخيلاء، والتكبر، يمكن أن يسود بسببه الكثير من المغالطات ، بسببه سوف يسود الحقد وتشتعل نار الكراهية وتنتشر البغضاء،ويتكدر صفو العلاقات.
آخيرًا/ اعلم رحمك الله أنّ حب الظهور ، وإبراز النفس، وتضخيمها، يجنح بالشخص نحو الرغبة العارمة إلى سماع المديح والثناء حتى وإن كان كاذبًا فلا يهتم بإصلاح عيوبه، أو تلافي نقائصه.
آخرًا/ داء التكبر قد يصبح ظاهرة إذا لم يتم تداركه من الآباء والأمهات بغرس مبادئ التواضع والأخلاق في نفوس الأبناء، كما أنّ دور العلم ينبغي أن تعمل على إصلاح الناشئة بتوعيتهم بأهمية البعد عن الإعجاب واستثمار وسائل الإعلام في تثقيف المجتمعات بضرورة نبذ الكبرياء، وعدم احتقار الناس ووجوب تهذيب النفوس حتى لا يفتك هذا الداء بها ، وحتى لا تخلق الفوارق الطبقية بين أفراده.
انتهى
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي
موضوع في قمة الروعة.. لطالما كانت مواضيعك متميزة.. لا عدمنا التميز وروعة الاختيار.. دمت لنا ودام تألقك الدائم..
مرورك الكريم وتعليقك اللطيف يدعم الجهود نحو التميز.
أبا هتان أنت نموذج رائع للقارئ المتذوق.
بارك الله جهودك
لمثل هولاء نقول كما قال المعري
سِرْ إنِ اسْطَعتَ في الهَوَاءِ رُوَيداً
لا اختيالاً عَلى رُفَاتِ العبادِ
صفة لاتعود على صاحبها إلا بالسوو يكون مكروها منبذوا
يعيش في مساحة خاصة به ولايجد له صديق إلا من شاكلته
تحياتي لقلمك المتميز وفكرك الراقي
شاعرتنا الراقية نستمد القوة بعد توفيق الله من مساندتكم ودعمكم.
شرفت صفحتي.
لافض فوك 👌فعلاً الكِبر والخيلاء داءٌ عُضال يفتك بالأخلاق
… بورك فكرك وقلمك وطرحك أستاذ علي👌
شكرا لمرورك ودعمك كاتبتنا القديرة.