كُتاب الرأي

الإيجابية تزرع الأمل في التعليم

الإيجابية تزرع الأمل في التعليم

باسم سلامه القليطي 

في عالم التعلم والتعليم، حيث تتقاطع العقول الناشئة مع الخبرات المتراكمة، يظهر تأثير الكلمات والأساليب كعامل حاسم في تشكيل النفوس وصياغة الطاقات، من هنا تبرز قيمة الإيجابية المطعّمة بالتشجيع والتفاؤل واللطف والتفهم، لا كخيار إضافي، بل كركيزة أساسية تُبنى عليها بيئة تعليمية صحية وآمنة، فحين يُقدّم المعلم أو المربي رسالة إيجابية، فإنها لا تُسمع فقط، بل تُزرع في الداخل كحافز عميق يدفع المتعلم نحو النمو والتطور.
الإيجابية ليست مجرد عبارات لطيفة أو مجاملات عابرة، بل هي استراتيجية تعليمية تفتح للطلاب أبواب الإبداع وتقلّل من توترهم وخوفهم من الفشل، عندما يشعر الطالب أن معلمه يثق بقدراته ويدعمه، يجرؤ على التجربة، ويتحرر من قيد التردد والرهبة، فالإيجابية تخفف من حدة الإجهاد العقلي والنفسي، وتجعل عملية التعلم رحلة ممتعة لا عبئاً ثقيلاً.
التشجيع يضرب بجذوره في عمق الذات الإنسانية، إذ يلامس شعور الفرد بقيمته، ويعزز ثقته بنفسه، المعلم الذي يختار كلمات تبعث الطمأنينة وتغذي الأمل، يُعيد للطالب علاقته بالمعرفة كقيمة جميلة وليست مهمة ثقيلة، حين يقول المعلم لتلميذه: “أعجبني اجتهادك” أو “تطورك اليوم رائع”، فإن هذه الكلمات تبقى في ذاكرة المتعلم أطول بكثير من أي توبيخ أو نقد حاد، بل تصبح وقودا لرحلة التعلم المستقبلية.
التفاؤل هو الوجه الآخر للإيجابية، بيئة تعليمية متفائلة تجعل الخطأ درسا، والتحدي جسرا، والتجربة رحلة ممتعة وليست ساحة اختبار مرهقة، وحين يُدرك الطالب أن معلمه ينظر للمستقبل بعين الأمل، يصبح هو الآخر قادرا على تجاوز قلقه، ويسير نحو التعلم بخفة روح.
أما اللطف والتفهم فهما الإطار الذي يحمي الإيجابية من أن تتحول إلى شعارات جوفاء، اللطف يعني أن تُقال الكلمة في وقتها وبأسلوبها المناسب، وأن يُمنح المتعلم فرصة للفهم دون ضغط، والتفهم يعني إدراك الخلفيات المختلفة لكل طالب، ومعرفة أن لكل عقل وتيرة نمو فريدة، هذا الإدراك لا يُنتج تعليما ناجحا فحسب، بل يُنتج علاقة إنسانية تترك أثرها مدى الحياة.
وفي المقابل، يكتشف المعلم أن هذا الأسلوب يخفف عنه هو أيضا، فحين يختار الإيجابية، تتبدل طاقة يومه من مراقبة الأخطاء إلى احتضان الطاقات، ومن ضغط التقييم إلى متعة الاكتشاف، يصبح التعليم عندها رحلةً مشتركة، المعلم فيها قائد بحب، والمتعلم فيها مسافر بشغف.
في النهاية، يبقى الإصرار على استخدام الإيجابية في التعليم أكثر من مجرد أسلوب تربوي، إنه فلسفة حياة تُعيد تعريف العلاقة بين المعلم والمتعلم، وبين الجهد والراحة، وبين التوجيه والتحفيز، حين يصبح التشجيع عادة، واللطف لغة، والتفهم جسرا، تتحول العملية التعليمية إلى تجربة ثرية تُسهم في بناء أجيال واثقة، قادرة على مواجهة تحدياتها دون خوف أو إجهاد، بل بشغف وحب للحياة.

كاتب رأي

باسم القليطي

كاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى