الإنجاز 100%

عندما نخطط لحياتنا ومشاريعنا وبرامجنا المختلفة والمتباينة نحدد نسبة الإنجاز في ذاك التخطيط! ونبني الأحلام والآمال في تحقيق وتحقق تلك النسبة المئوية ، وقد نواجه عدداً من التحديات والصعوبات والعقبات ومع كل ذلك في العيون والأفئدة والأيدي تتحرك باتجاه الأهداف والمقاصد السامية الجميلة بغية تحقيقها!.
هذا شأن جميع الأنام من الأكياس الفطناء أولي الألباب وهذا هو دأبهم في رحلة الحياة الإنسانية الجميلة الواعدة والمليئة بالجديد المفيد وغير المفيد ، والنافع الكثير ، والضار كذلك والأغذية والأدوية والأفراح والأتراح ، وكلهم يسعى ويجري ويمشي لتحقيق الأحلام والآمال والتصورات والتطلعات المستقبلية!
كلنا يشاهد ويسمع الشركات والمؤسسات التي تتحدث عن نجاحاتها وإبراز إنجازاتها وإظهار نقاط القوة فيها التي تبهر بها العملاء والشركات والمؤسسات المنافسة ، وتحاول أن تكون في الترتيب العام لجميع المعايير والمقاييس الإقليمية والدولية في الصدارة منها .
اللغة التي يتقنها المنافس الحقيقي هو لغة الإنجاز وتحقيق الأهداف والمقاصد السامية حتى على المستوى المؤسسات والشركات الصغيرة ! وكذلك على المستوى الاجتماعي الأسري العائلي ! فهناك منافسات ومسابقات ظاهرة وخفية تظهر في النتائج المعلنة للعام الدراسي ، وكذلك الكليات والتخصصات المختلفة التي يلتحق بها الأولاد من البنين والبنات.
قد يكون من مؤشرات ومن مظاهر التأكد من تحقيق الإنجاز هو النجاحات للأولاد ! واجتياز الدورات التدريبية ، واجتياز المراحل التعليمية ، ودخول الجامعات والكليات ، كذلك الزواج وانجاب الأولاد ، والحصول على الوظيفة، والحصول على المرتب العالي ، والترقية والانتهاء من بناء المنزل ، وشراء الأرض ، والسفر ؛ كل ذلك من المؤشرات الطيبة الجميلة في تحقيق الإنجاز !.
بيد أن حصر الإنجاز على حصولنا على كل ما تم التخطيط له بدقة متناهية وإتقان وبالنسبة المئوية (100 % ) في كل المشاريع ، والبرنامج ، وفي الخطط المنفذة ؛ والحياة الزوجية والأسرية ، والحياة العملية ؛ هذا الأمر من الصعوبة بمكان ! لكنه ليس مستحيلا في عالم المادة العلمية!
إن النظرة إلى وجوب تحقيق وتحقق جميع النتائج والمخرجات والإنجازات بالنسبة المئوية(100 % ) كما خططت لها ؛ نعتقد أنها نظرة كمالية غير واقعية ! فالواقع له اللسان والأيدي فيما نخطط وننفذ وننجز ! تضاريس الواقع تقول إن جميع الألوان والأطياف والأشكال موجودة ، فلا توجد النظرة الكمالية الحدية إلا في عقولنا ونفوسنا ! ولا توجد النسبة المئوية(100 % ) في الإنجاز إلا على الورق! وذلك لأن هناك درجات ومستويات للنجاحات ! وهناك درجات ومستويات للتحقيق الأهداف والمقاصد والإنجازات!
إن التحكم والسيطرة على كل المتغيرات والأحداث غير واقعي وغير موجود إلا في التصورات والعقول ! أما الواقع المشاهد فهناك عدد من الأسباب قد توصل إلى نسب مختلفة ومتباينة من الإنجازات والإبداعات، فعلينا القبول بها ! والاجتهاد الدائم والمستمر في الأفضل والأحسن والأجود!
إن الاعتقاد المبني على الظن أن الألوان في الحياة الإنسانية الكبيرة الواسعة والشاسعة من البر والبحر والجو في ظلال هذه الدنيا هما لونان : الأبيض والأسود ! فالحياة في نظر بعضنا تكون بهذه الصورة وكذلك الأهداف والمقاصد والإنجازات !
هذا التصور العام يخالف الواقع الحقيقي ! بل ويخالف حتى من ذهب إلى ذلك التصور نفسه ! فاللون الأبيض لا يوجد بالنظرة العلمية إلا في خيال رؤيتنا فقط !
وحقيقة اللون الأبيض أنه : مزيج وخليط من ألوان الطيف السبعة التي نراها في قوس المطر ( قزح ) والتي تبدأ بالأحمر بدرجاته المختلفة وتنتهي بالبنفسجي الملكي !
إن الواقع يقول بالنسبية في كل شيء ! ومنها نسبية تحقق الأهداف والمقاصد والنجاحات والإنجازات ! فمهما كانت الجهود والطاقات والمواهب والملكات والقدرات كبيرة لن تتجاوز ( 80 % ) من الإنجاز فقط ؛ كما يقول العالم الاقتصادي الإيطالي (باريتو) في قاعدة ( 80 / 20 )
وقد أفردنا ذلك في مقال سابق بعنوان ( قاعدة (20/80).
هذا لا يجعلنا نحجم عن تحقيق الأحلام والآمال والأهداف والمقاصد السامية ، والاجتهاد الدائم والمستمر في الوصول إلى الأعلى في كل مجال من مجالات الحياة ، وأن نكون الرقم الصعب ! وعلى مستوى تحديات الحياة ! وعلى مستوى التطلعات والرؤى بإذن الله تعالى.
علينا قبول النتائج والمخرجات والإنجازات مهما كانت نسبتها ! بعد أن خططنا جيدا ! ونفذنا بصورة صحيحة ! وقيمنا وراجعنا كل مراحل وخطوات أعمالنا ووظائفنا ومشاريعنا وبرامجنا المختلفة!
فأهلاً وسهلاً بالإنجازات مهما كانت النسبة المئوية لها !
يقول شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي:
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض