كُتاب الرأي

الإرهاب .. الوجه الآخر لخيانة الوطن

 

الإرهاب ليس مجرد أعمال عنف أو تخريب عشوائي؛ بل هو الوجه القبيح لخيانة الوطن، ذلك الوجه الذي يستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي وزرع الفوضى والدمار في أوصال الأمة. إن الإرهاب، في حقيقته، أداة لتفكيك المجتمعات وتقويض أسس الدولة، محاولًا تحقيق مصالح ضيقة تحت ستار الدين أو الطائفة.

على مر العصور، اتخذ الإرهاب طابعًا دينيًا لتبرير العنف وجذب الأتباع. كان التعصب الديني دائمًا سلاحًا فعالًا بيد الجماعات الإرهابية التي تتلاعب بعواطف الناس لتحقيق أهدافها. وسواء أكان الإرهاب مسيحيًا بروتستانتيًا أو كاثوليكيًا، أو إسلاميًا سنيًا أو شيعيًا، فإن الأديان والطوائف استخدمت كأقنعة لتغطية الأهداف الحقيقية: السلطة، النفوذ، وتقويض الاستقرار.

منذ العصور الوسطى، شهدت أوروبا موجات من الإرهاب الديني، تجسدت في الحروب الصليبية التي اندلعت بين المسيحيين والمسلمين. رغم أن تلك الحروب حملت شعارات دينية، إلا أن أهدافها كانت سياسية واقتصادية بحتة. كذلك، شهدت أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر صراعات طائفية دموية بين البروتستانت والكاثوليك، مثل “حرب الثلاثين عامًا”، التي حصدت أرواح الملايين وخلفت دمارًا هائلًا في القارة.

وفي العصر الحديث، استغل بعض المسلمين الدين كغطاء للإرهاب. فقد ظهرت جماعات إسلامية متطرفة في القرن العشرين والواحد والعشرين، مثل القاعدة وداعش وجماعات أخرى تدعي اتباع منهج السنة، لكنها تقدم تفسيرات خاطئة ومتناقضة مع الشريعة. كما ظهرت أحزاب شيعية متطرفة، مثل حزب الله ومليشيا العباس وغيرها، تعتمد على الطائفية كوسيلة لتوسيع الفجوة بين الطوائف، مما يمنحها ذريعة للدفاع عن معتقداتها وفرضها بالقوة.

ومع ذلك، هناك دلائل واضحة على أن الإرهاب الذي يعتمد على أيديولوجيات غير دينية لا يحقق أهدافه، لأنه يفتقر إلى الحاضنة الاجتماعية التي تدعمه. أما عندما يُستخدم الدين أو الطائفة كقناع، فإنه يجد له بيئة خصبة في المجتمعات المتخلفة التي تعاني من قلة الوعي الديني. تلك الجماعات تستغل مشاعر الدفاع عن الدين أو الطائفة لتبرير أعمالها الإجرامية، مما يجعلها مقبولة في بعض الأوساط. بل ويتم تزويدها بالموارد البشرية واللوجستية وتمنح مكانة اجتماعية، إذ يطلق عليهم بعض الناس “المقاومين“.

ولعل أبرز ما يميز أعضاء هذه الجماعات هو أنهم غالبًا ما يكونون من المهمشين اجتماعيًا واقتصاديًا، العاجزين عن تحقيق أهدافهم بطرق شرعية وإيجابية داخل المجتمع. تشير الدراسات إلى أن غالبية المجندين في هذه الجماعات هم من فاقدي القدرة على الاندماج الاجتماعي الإيجابي، مما يجعلهم فريسة سهلة لتلك الجماعات التي تستغل ظروفهم وتعدهم بأوهام التغيير الاجتماعي أو المزايا في الآخرة.

تستغل تلك الجماعات أيضًا العقول الفارغة لهؤلاء الأفراد، فتملؤها بالوعود الكاذبة بالتغيير والتميز الاجتماعي، وتغذيهم بأحلام مغلوطة عن “الحور العين” والكرامات الأخروية. ولتأكيد هذا الوهم، يعتمدون على تأويلات فاسدة للنصوص الدينية، يستشهدون بآيات وأحاديث، سواء موضوعة أو حتى صحيحة، ولكن يتم تفسيرها بما يتماشى مع أهوائهم دون مستند شرعي أو علمي رصين.

في النهاية، لا يمكن وصف الإرهاب إلا بأنه أداة مقيتة موجهة ضد الوطن والمجتمع والدين. فهو يهدف إلى تقويض الاستقرار وهدم أسس الدولة، بغض النظر عن الشعارات الدينية أو العقائدية التي يرفعها أتباعه. فالإرهابيون الذين يخونون أوطانهم تحت ستار الدين لا يخدمون سوى مصالحهم الشخصية أو مصالح قوى خارجية تسعى للسيطرة على الموارد وتفكيك المجتمعات المستقرة.

إبراهيم سعيد الدعجاني

كاتب رأي ﻭ شاعر

ابراهيم بن سعيد الدعجاني

أديب سعودي وكاتب رأي وشاعر وقاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
الذهاب إلى الواتساب
1
م حبا أنا سكرتير رئيس التحرير
مرحبًا أنا سكرتير رئيس التحرير وأنا هنا لمساعدتك.