الإحساس الغائب

في عصرنا الحالي، نعيش في عالم يموج بالسرعة والضوضاء، لكن وسط هذا الصخب، هناك إحساس غائب يتسلل بهدوء من بين أيدينا. قد يكون هذا الإحساس الغائب هو التعاطف، الشعور بالذات، أو حتى الإحساس بمعاناة الآخرين. لقد أحدثت التكنولوجيا ثورة في طريقة تواصلنا، لكنها أيضًا ساهمت في تغريبنا عن مشاعرنا الحقيقية. أصبحت الرسائل النصية تحل محل المحادثات العميقة، وابتسامات الرموز التعبيرية بديلاً عن التفاعل العاطفي الصادق. هذا التطور التقني جعلنا أقرب افتراضيًا، لكن أبعد ما نكون عن الروابط الإنسانية الحقيقية.
ومع تزايد الضغوط والمسؤوليات اليومية، أصبح من الصعب على الكثيرين أن يتوقفوا ليتأملوا أو حتى يستمعوا لأنفسهم ولمن حولهم. نسينا كيف نعيش اللحظة وكيف نتواصل مع مشاعرنا ومشاعر الآخرين بعمق. أصبحت وتيرة الحياة السريعة تسرق منا ذلك التوازن الداخلي، مما أدى إلى فراغ عاطفي يتعمق يومًا بعد يوم.
الانعزال العاطفي لم يعد مجرد حالة فردية، بل تحول إلى ظاهرة اجتماعية. المجتمعات الحديثة التي تُقدِّس الفردية والنجاح الشخصي أسهمت في تآكل الروابط الاجتماعية. أصبحت العلاقات سطحية، والتفاعل الإنساني مجرد إجراء شكلي. نرى وجوهًا كثيرة من حولنا، لكننا نادرًا ما نشعر بتواصل حقيقي معها، وكأن كل فرد يعيش في فقاعة منفصلة، محاطًا بجدران من الوحدة.
استعادة الإحساس المفقود تتطلب منا جهدًا مشتركًا. علينا أن نبدأ بالعودة إلى جوهر العلاقات الإنسانية من خلال تعزيز التواصل المباشر والصادق. يجب أن نتعلم كيف نصغي بعمق، ونفهم مشاعرنا ومشاعر الآخرين دون أحكام مسبقة. يمكن للتأمل الذاتي والوعي العاطفي أن يكونا خطوة مهمة نحو إعادة الاتصال بما فقدناه. كما أن الانخراط في الأعمال التي تعزز التعاطف، مثل مساعدة المحتاجين أو المشاركة في الأنشطة المجتمعية، قد يعيد إحياء إحساسنا بالإنسانية ويجعلنا أكثر قربًا من جوهرنا.
الإحساس الغائب ليس مجرد فقدان شعور مؤقت، بل هو مؤشر على خلل عميق في نمط حياتنا الحديث. علينا أن ندرك أن المشاعر ليست عبئًا، بل هي جزء أساسي من تكويننا الإنساني. استعادة هذا الإحساس ضرورة وليست خيارًا، لأن غيابه يهدد بتحويل حياتنا إلى سلسلة من اللحظات الفارغة التي تفتقر إلى العمق والمعنى.
معلا السلمي
كاتب رأي
كلام عميق وفعلاً يدق ناقوس الخطر في حياتنا الاجتماعية
احسنت استاذ معلا في صياغة الكلمات وتسخيرها لتصل الي الوجدان
شكرا لقلمك المبدع
أستاذة فاطمة، أسعدني جدًا تعليقك العميق وتشجيعك الذي أعتبره وسامًا أعتز به. شكراً لذوقك الرفيع ودعمك الذي يُلهمني للاستمرار
كلام عميق وفعلاً يدق ناقوس الخطر في حياتنا الاجتماعية
احسنت استاذ معلا في صياغة الكلمات وتسخيرها لتصل الي الواجدان
شكرا لقلمك المبدع