كُتاب الرأي

الإبداع والابتكار واقتصاد السوق الجديد

الإبداع والابتكار واقتصاد السوق الجديد

مشعل الحارثي

لم يعد النظر الى (الابتكار والإبداع ) بمعزل عن عالم الاقتصاد بل أصبح من أهم محركات النمو الاقتصادي في العصر الحديث، ويحتل قيمة كبرى بين المصادر الاقتصادية المتعددة كالنفط والغاز والمعادن الثمينة والموارد الطبيعية الأخرى ،ويمثل نسبة كبرى في الدخل القومي لأغلب اقتصاديات الدول،حيث تساهم الأفكار الإبداعية والابتكارات في نمو وتطور المجتمعات البشرية، وذلك من خلال إيجاد وتطبيق حلول فعالة وذكية للعديد من التحديات التي يواجهها الإنسان في المجالات التعليمة، والصحية، والسياحية، والترفيهية والأمنية وغيرها ، بمعنى أنه يمثل صناعات متنوعة قائمة على الإبداع والابتكار، تساعد على تطوير التقنيات والمنتجات ، و تساهم في تحسين العمليات والحصول على نتائج ذات مردود أفضل .
ولعل المؤشر على ارتفاع درجة الاهتمام بشأن الإبداع والابتكار وعلاقتهما بالاقتصاد هوتخصيص يوم عالمي للاحتفال به و الذي يصادف يوم( 21 ) من شهر أبريل من كل عام ، وذلك بهدف التوعية والتأكيد على أن الإبداع لم يعد مجرد هوايات وموروث يحفظ في المتاحف ويعرض بين اروقة المعارض ، بل بات يمثل أحد أسس اقتصاد المعرفة والمحرك لتحقيق النمو المستدام ، وخلق ملايين الوظائف.
وبين من يرى بأن الابتكار والإبداع أسمين مترادفين فان هناك من يرى بأنهما عنصرين مختلفين فهذه الدكتورة.نيفين حسين في بحثها المهم عن “دور الابتكاروالإبداع المستمر في ضمان المركز التنافسي للمؤسسات الاقتصادية والدول” تقول : بأن الإبداع في أبسط صوره هو تحويل الأفكار الجديدة والأفكار الخيالية إلى واقع، وهو يضم عمليتين أساسيتين هما: التفكير(Thinking) ، والإنتاج (Production) ، ويؤكد العلماء على أن مصطلحي المعرفة Knowledge، والإبداع Creativity مرتبطان ببعضهما، فالإبداع أو العملية الإبداعية تحتاج إلى قدر كافٍ ومعقول من المعرفة بالموضوع أو الفكرة التي يقع عليه التفكيرفيها..ويرتبط الإبداع أو العملية الإبداعية بالابتكار Innovation وهو الطرق أو الأساليب الجديدة المختلفة الخارجة أو البعيدة عن التقليد التي تستخدم في عمل أو تطوير الأشياء والأفكار. وهو عملية عقلية تعبر عن التغييرات الكمية والجذرية أو الجوهرية في التفكير، وفي الإنتاج أو المنتجات، وفي العمليات أو طرق وأساليب الأداء، وفي التنظيمات والهياكل ،فيما يرى كل من: الدكتور.محمود الروسان، والدكتور.محمود العجلوني في بحثهما حول “أثر رأس المال الفكري في الإبداع” إلى أنه على درجة كبيرة من الأهمية في المنظمات التي وُجِدت لتقديم السلع والخدمات للمستهلكين تبعاً لحاجة الأفراد ورغباتهم المتغيرة بمرور الزمن، كما وُجِدت لتعظيم قيمة المنتوج بالنسبة للمستهلك، وإن أفضل المنظمات هي تلك التي يكون لديها القدرة على الإبداع، وأفضل الرؤساء في المنظمات هم أولئك الذين يمتلكون القدرة على تفجير المواهب الإبداعية لمرؤوسيهم واستنهاضها والعمل على استقطاب رأس المال الفكري وصناعته في هذه المنظمات والمحافظة عليه.
وبنظرة متأملة لما لهذين العنصرين الابتكار والإبداع من أثر كبير وملموس في الاقتصاد العالمي ، وما يمثله مصطلح «الاقتصاد الإبداعي»اليوم من ركيزة أساسية لصناعات مزدهرة تسهم في الناتج المحلي، فقد أشارت معظم الدراسات إلى أن صناعاته المختلفة من السينما والموسيقى إلى الألعاب الإلكترونية والتصميم – تسهم بأكثر من 3.1 في المائة من الناتج المحلي العالمي، وتوظف أكثر من 50 مليون شخص ، كما تشهد بعض الصناعات الإبداعية نمواً يفوق العديد من القطاعات التقليدية؛ إذ تجاوزت قيمة سوق الاقتصاد الإبداعي عالمياً 2.25 تريليون دولار سنوياً؛ وهو ما يعادل تقريباً الناتج المحلي الإجمالي لدول كبرى مثل إيطاليا أو البرازيل ، وهذا الرقم يوضح أن الصناعات الإبداعية لم تعد هامشية، بل في صلب الاقتصاد المعاصر .
ونحن هنا في المملكة العربية السعودية ومنذ اطلاق الرؤية الطموحة 2030 فقد جعلت الصناعات الإبداعية ركيزة مهمة لتنويع الاقتصاد ، وعملت لإيجاد بيئة حاضنة لها من خلال اطلاقها عدة مبادرات مثل هيئة الأفلام، والهيئة العامة للترفيه التي طورت بنية تحتية متقدمة ،ودعمت إنتاجات نوعية، وهو ما رسّخ مكانتها كوجهة عالمية لصناعة المحتوى.
كما سعت للاهتمام بالابحاث وتطوير المواهب، واقامة الدورات التثقيفية والمسابقات وتبني استراتيجيات دعم مادية ومعنوية ، وعقد شراكات مع بعض المراكز والمؤسسات ، وتوفير بيئة تنظيمية مرنة تحمي الملكية الفكرية، إلى جانب تصميم بنية تحتية رقمية متقدمة تتيح للمبدعين الوصول إلى الأسواق العالمية.
وفي وقت وجيز جاءت النتائج محققة للامال من خلال قفز المملكة (١٥) مرتبة عام ٢٠٢٢م ضمن مؤشرات الابتكار العالمي الصادرة عن المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية وفي عدد من المؤشرات الفرعية ، حيث حلت المملكة ضمن قائمة الدول العشر العالمية في أربع مؤشرات تمثلت في رأس المال البشري والأبحاث ، وتطور السوق ،والبنية التحتية ولتؤكد المملكة بهذا الانجاز أنها أصبحت تمتلك صناعة المستقبل ، ومن الدول الرائدة في مجال الابتكار على مستوى العالم.
لقد أصبح الابتكار والإبداع من الموارد الأكثر قيمة في العصر الحديث، حيث تتحول الأفكار إلى أصول اقتصادية تولد فرصاً غير محدودة. ولم يعد الإبداع مقتصراً على مجالات فنية تراثية ثقافية بحتة، بل أصبح يسعى إلى تبني استراتيجيات واضحة لدعمه وتحفيز نموه.

كاتب رأي

 

مشعل الحارثي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى