الأنوف المتطفلة .. حين يتجاوز الفضول حدود اللياقة

د. دخيل الله عيضه الحارثي
الأنوف المتطفلة .. حين يتجاوز الفضول حدود اللياقة
في كل مجتمع، وفي كل دائرة بشرية، هناك من يظن أن له حقًّا مطلقًا في التسلل إلى تفاصيل الآخرين، لا بدافع المحبة أو الحرص، وإنما بدافع الفضول الذي يرتدي أقنعة شتى من أبرزها: الاهتمام والنصيحة ولمجرد سؤال.
تلك الفئة من الناس التي اعتادت دس أنوفها في شؤون الغير، تمارس نوعًا من العبث الخفي الذي لا تُرى آثاره في اللحظة، لكنه يترك خدوشًا على جدران النفوس، وشرخًا في جمالية العلاقات.
إن الخصوصية حق إنساني أصيل، ومراعاتها ليس من باب المجاملة، بل من أصول الأدب والاحترام، فما الذي يدفع شخصًا للسؤال عن راتب غيره، أو عن سبب تأخره في الزواج، أو عن تفاصيل حياته العائلية؟ أهو جهل بالحدود أم تجاهل متعمد لها؟!
إن أكثر ما يضر نسيج المجتمعات هو تغافلها عن هذه الظواهر، ومحاولة تبريرها بالقول: “فلان طيب النية” أو “هو فقط يحب أن يعرف” فالنية الطيبة لا تبرر الخطأ، والفضول ليس محبة، بل تعدٍ في رداء الود، والأصل في العلاقات البشرية أن تُبنى على الستر والاحترام، لا على التتبع والاستقصاء، والأصل في المرء أن يسأل نفسه قبل أن يسأل غيره: “هل ما أقوله أو أطلبه له ضرورة حقيقية؟ أم هو فقط إشباع فضول لا علاقة له بالخير؟”
ومما لا شك فيه أن الإنسان كلما انشغل بنفسه، وأصلح شأنه، وسعى في تطوير ذاته، كان أقدر على النجاح في حياته العملية والاجتماعية والنفسية، فالناضجون لا يفتّشون في حياة غيرهم، بل ينشغلون ببناء أحلامهم، وتحقيق أهدافهم، وتهذيب نفوسهم، إنهم يعلمون أن أعمارهم أثمن من أن تُهدر في تتبع أخبار الناس.
ختاماً، لنتأمل قول النبي ﷺ: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”.
فكلما ارتقى الإنسان في إيمانه، رقَّ خلقه، وابتعد عن الخوض في خصوصيات غيره. وما أجمل أن نكون ممن شغله أمر نفسه عن تتبع خصوصيات الناس! فلنملأ مجالسنا بالذكر الطيب، ولنُشغل قلوبنا بما يقربنا إلى الله، فما أقصر الدنيا، وما أجمل أن نلقى الله وقلوبنا نظيفة، وألسنتنا عفيفة، وأبصارنا مصروفة عمّا لا يعنينا.
كاتب رأي
شكرًا جزيلًا أستاذ عبدالمجيد… شهادتكم محل فخر واعتزاز، ومروركم وترك أثركم هنا يُغني عن كل قول. 🌹
اجدت يادكتور دخيل، لافض فوك ، وما احوجنا لاامثالك في مجتمعاتنا للتذكير وللانسه والصحبة الطيبة التي ترتقي بمن اقترن فيها🌷