كُتاب الرأي

الأمير النائم… مرآة الألم النقي

د. سارة الأزوري

الأمير النائم… مرآة الألم النقي

(رثاء الأمير الوليد بن خالد بن طلال آل سعود)

مضى الأمير الوليد، كما عاش، بهدوءٍ يشبه نسكًا طويلًا لم ينقطع. مضى بعد أعوامٍ لم تكن من زمننا، بل من زمنٍ آخر، يسير ببطء، يتنفس بالصبر، ويقيس الوقت بالرجاء.

لم يكن الأمير النائم مجرّد جسدٍ على سرير، بل كان حياةً مؤجلة، تتردّد بين طرفين لا يلتقيان: الحياة كما نعرفها، والموت كما نخشاه. كان شاهدًا على هشاشة وجودنا، على عجزنا الصامت أمام مشيئة الله، وعلى صبرٍ نادرٍ لم نره مكتوبًا في كتاب، بل مجسّدًا في وجهه، في رمشه الخفيف، وفي نظراتٍ خاطفة كانت تكفي لتشعل قلوبًا بأكملها.

لم يتكلّم، لكنه أشعل في الناس حديثًا لا ينتهي. لم يطلب شيئًا، إلا أنه جعل من الدعاء عادةً يومية لألوفٍ لا يعرفونه، إلاّ بصفته رمزًا للرجاء، ومقامًا للأمل. هو الوليد، لا نُبالغ إن قلنا إنه جمعنا حوله كما تجمعنا المآذن عند الفجر، كلٌّ يناجي ربّه بطريقته، ويسأل أن يكتب له شفاءً لم يأتِ.

وفي حضرة الغياب، نُدرك أن بعض الرحيل أثقل من أن يُقال فيه “رحل”. إنه لم يغب كما يغيب العابرون، بل انسلّ منّا كالنور حين يتلاشى آخر خيطٍ له في الأفق. كان حضوره بصمته أقوى من كثيرين يملأون الأرض صراخًا، وكان صبره مدرسة كاملة في الرضا، لا خطبة فيها، ولا درس، بل وجهٌ ساكنٌ يحمل كل المعاني.

ولم يكن وحده في هذه الرحلة الطويلة. كانت أيدٍ تُمسك بيده رغم السكون، وعيونٌ لا تنقطع عن النظر إليه بحنان، ودعواتٌ صعدت في الليالي، لا يعلمها إلا الله، وصبرٌ عظيم سكن في بيتٍ لم يتأفف، ولم يشتكِ.

واليوم، وقد طوى الزمان صفحته الأخيرة، نقف أمام فقده كما يقف الذاهل أمام قبرٍ لا يصدق أنه امتلأ، نقف لا بالكلام، بل بالدمع الذي لا يُرى، وبالألم الذي لا يُقال.

نم، يا وليد، نم كما يليق بمن تعب كثيرًا دون أن يشكو، ومن أضاء لقلوب الناس دون أن يتكلّم، نم بعد أن أتممت درسك الأخير في الصبر، وتركته لنا مكتوبًا على جبين الزمن، لا يُمحى.

رحمك الله رحمةً واسعة، وغفر لك ما لم تُذنب، وجعل لك في صمتك رفعة، وفي تعبك راحة، وفي ذكراك عزاءً لكلّ قلبٍ ما زال يبكيك.

كاتبة رأي

 

 

الدكتورة سارة الأزوري

أديبة وشاعرة وقاصة وكاتبة رأي سعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى