كُتاب الرأي

الأسلوب الراديكالي وعلاقته بالتطرف الفكري

 

 

التصريحات القاصرة التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي تجاه المملكة العربية السعودية بشأن إيجاد مكان للفلسطينيين فيها تدل على العدائية الممنهجة ذات البعد الراديكالي القائم على مبدأ تغيير البنية الاجتماعية والدعوة إلى تغيير نظم القيم.
فالسياسة العنيفة والمتطرفة التي يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه الأيام بصوت عالٍ قائمة على مبدئية ثورية تناهض الاعتدال وتنبذ التسامح وتشي بالإرهاب وتؤصل للكراهية بين الشعوب ، واستمراره على هذا النهج المتغطرس ، والكبرياء السياسي الزائف بشائر خير سوف تعمّ على الجميع، وباعث قوي لسقوط ذريع في مستنقع الضياع السياسي؛ فالتعرض لدولة ذات ثقل ديني وسياسي وعسكري واقتصادي ودولة مؤثرة في القرار الدولي بحجم المملكة العربية السعودية عواقبه وخيمة، ونتائجه لن تكون مرضية على المدى البعيد.
كثيرون قبله جربوا العداء مع السعودية بيد أنهم ندموا وخسروا معاركهم معها، كونهم لم يكونوا على حق واصطدم قطار فكرهم المتطرف وآلة حربهم المزعومة بجبال السياسة السعودية والاعتقاد القوي الذي يمضي في طريقه القادة السعوديون منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى القائم على الإيمان أن الشعوب تملك حقها في العيش بسلام وحرية وخصوصية.
إن الطفولة السياسية التي يلعب على وترها بنيامين نتنياهو،ويتقافز على جدارها لن تنفعه في شيء فالمركز السياسي والثقل الاقتصادي والبعد الديني للسعودية ليس كما يتصوره السياسيين الإسرائيليين ، بالتأكيد ليس مركزها هامشيًا ، ولا جانبيًّا.
إن المكانة التي تشغلها المملكة العربية السعودية لا مثيل لها ، ولا نظير ، فكونها دولة ذات سيادة مستقلة منذ تأسيسها حتى عصرنا الحاضر.، نجزم أنه كان الأفضل والأنسب والأصلح والأوفر لمن يدعي أنه سياسي ، أقول كان من الأفضل له التفكير بكيفية التعايش مع جيرانه الذين اغتصب أرضهم بلا حق منذ أن وطئت قدمه فلسطين. هو يعلم في قرارة نفسه ألا أرض له ولا مكانة ولا قيمة بين جيرانه الذي سمح لنفسه أن تعيش بينهم ، ويشكل وجوده هاجسًا لهم وللمنطقة بأكملها ، جاء لا يملك قوت يومه مشردًا منبوذًا ، مكروهًا، مطرودًا بعد محرقة اليهود التي يعرفها جيدًا، ويعرفها من سبقه ماذا فعلوا حتى حل بهم ما أصابهم من ويلات بفعل أيديهم ونواياهم، وبعد تلك السنين التي أدمت القلوب ومزقت الصدور يطلع لنا بتصريح راديكالي أحادي متطرف يشير إلى نية تحويل واستبدال النظم الأساسية للمجتمعات والدعوة إلى التغييرات البنيوية وتبني وجهات نظر متطرفة.
إن تبني مثل هذه العقائد السياسية له مخاطر قادمة إن لم يكف عن مثل تلك التصريحات ويجر أصحابه ومعتنقي هذا الفكر إلى المزيد من الحروق والتشوهات السياسية التي لا شأن لها سوى إذكاء جذوة الكراهية والبغضاء وإلى تفاقم الأوضاع.
فبدلاً من أن يعمل على التعايش والاشتغال على حل الدولتين والاعتراف بالمبادرة العربية وبناء نسيج اجتماعي قائم على العلم والمعرفة واحترام ثقافة الشعوب والدول المجاورة ، وتنفيذ المعاهدات والمواثيق الدولية التي تدعو إلى أهمية إغلاق أبواب التطرف والإرهاب بكافة مسوغاته اللفظية والعملية، وبناء مصالح مشتركة قائمة على التجديد وإعادة صياغة المفاهيم الأخلاقية والأعراف ومد جسور التواصل على أساس الثقة وعدم التدخل في شؤون الآخرين والانصياع للقرارات الدولية نجده يستمر في استعمال الأساليب المستفزة التي لا تؤكل خبزًا ولا تبني مكانة ولا تمنح ثقة.
إنه وفي خضم الأحداث والمواقف المتوالية لنزع فتيل التطرف من هذا العالم، يأتي إلينا نتنياهو ليناهض كافة الجهود التي عملت عليها المملكة العربية السعودية منذ النكبة المشؤومة التي حلت بفلسطين وما بذلته من وقت وجهد ومال لإحلال السلام في هذه المنطقة المستعرة من الكون.
هذا السلوك السلبي سوف ينعكس عليه في الداخل ، فالأصوات المعارضة كل يوم في تزايد، وهو يدرك ذلك جيدًا أنه منبوذ في الداخل وبغيض في الخارج حتى لو اغتسل ألف مرة لن يصبح قلبه أبيضًا وستبقى يده ملطخة بدماء الأطفال الأبرياء الذين قتلهم بدم بارد بلا ذنب وبلا جريمة اقترفوها في حقه.
إن الشعور بالنقص يلازمه أينما حل وارتحل ، وعقدة الدونية ملتصقة به ولن تبرحه حتى إن فرش الأرض للجميع بالسجاد الأحمر، يعلم أنه متغير دخيل ولا حظ له ولا نصيب فيما يدعو إليه ويبشّر من أجله ، ستبقى المملكة العربية السعودية دولة ذات سيادة وذات استقلالية مطلقة وسيبقى هو مغتصبًا لأرض ليست له ملكًا حتى يعيدها إلى أصحابها.

 

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى